شوف تشوف

الرئيسيةخاصمجتمعمدن

سوق الصالحين بسلا.. من لعنة الحرائق إلى جحيم الإهمال وشائعات الهدم

بسبب خروقات في التصميم وكناش التحملات وتجار يطالبون بتسليمهم محلات

مقالات ذات صلة

 

في أكتوبر من سنة 2017، أعطى الملك محمد السادس انطلاقة أشغال بناء وتأهيل سوق الصالحين بمدينة سلا، ومنذ ذلك الحين تسارعت خطى إنجاز أشغاله الكبرى والأشغال المتعلقة بالتسوية النهائية والترصيف والصباغة، وتهيئة ملاعب القرب المقررة، وباقي أشطر ومكونات هذا المشروع الضخم الذي يهدف لإعادة إيواء تجار أكبر سوق عشوائي بسلا الذي لاحقته لعنة عشرات الحرائق، والذي حمل أسماء متعددة من «سوق الكلب» و«سوق ساعة»، إلى أن استقر اسمه على «سوق الصالحين».

 

النعمان اليعلاوي

 

كانت أشغال بناء السوق، التي استمرت أزيد من عام ونصف العام، تسير على قدم وساق، في الوقت الذي استبقت جماعة سلا عملية تهيئة السوق، بالمصادقة على دفتر شروط وتحملات تسيير المحلات التجارية للسوق، من خلال وضع كناش يتضمن عددها المحدد في 412 محلا منها 22 محلا إضافيا لم يحدد صنفها و5 مرافق. ويتضمن كناش التحملات أصناف هذه المحلات والمساحات المخصصة لها، بالإضافة للشروط الخاصة بكراء المحلات، كما جرى تنظيم القرعة لتسليم المحلات للتجار المعنيين، وتوزيع تلك المحال بعد إحصاء قامت به السلطات المحلية لتقييد المستفيدين.

غير أنه، وبعد عامين من اكتمال الأشغال فيه، بات سوق الصالحين يواجه إهمالا ملحوظا، فعلى الرغم من انتهاء الأشغال وترتيب قوائم المستفيدين من خدماته، تشير معطيات إلى وجود اختلالات تدبيرية تؤخر فتح أبواب السوق الذي يمتد على مساحة 23 هكتارا، وأنشئ بغرض النهوض بالاقتصاد التضامني وإدماج التجارة غير المهيكلة ضمن النسيج الاقتصادي، بل إن شائعات رافقت السوق في الآونة الأخيرة حول احتمال هدمه بسبب خروقات في التصميم الذي قدم أمام الملك والذي يتضمن مرأبا تحت أرضي، لا يوجد على أرض الواقع.

 

ترحيل اضطراري

«فاش رحلونا قالوا لينا عندكم ست شهور على الأكثر وتاخذوا محلاتكم، دابا فاتت عامين ومزال ما شفنا والو»، يقول محمد، خمسيني، أحد تجار الأثواب من سوق الصالحين، والذين رحلوا من السوق العشوائي قبل أن يتم هدمه لبناء «سوق الصالحين الجديد»، مضيفا أن «التجار كان هاجسهم هو ضمان محلهم التجاري وعدم ضياع رزقهم»، فيما طالب آخرون بالإسراع في عملية الإنجاز واعتماد الشفافية والاستحقاق في توزيع المحلات على المعنيين من التجار المحصيين، «جهات رسمية أكدت لنا، خلال بداية الأشغال، على أن السوق سيتم تسليمه في غضون عام على الأكثر، وهو ما شجعنا للانتقال بشكل مؤقت إلى «سوق السمارة»، غير أن المؤقت أصبح دائما ولا حديث اليوم عن تسليم السوق»، يضيف المتحدث.

ويشير محمد إلى أن عملية ترحيل التجار في الأول عرفت احتجاج بعض التجار على فرض رحيلهم المؤقت عن السوق، والذين طالبوا بالسماح لهم بالبقاء في محلاتهم التجارية إلى غاية بناء الأخرى البديلة، غير أن أزمة كورونا وتعجيل السلطات بعملية القرعة لتسليم المحلات بالإضافة إلى موقفها الذي لم يستجب لهذا الطلب، اضطر هؤلاء حينها للإذعان وقبول الترحيل، وإن كان بعضهم قرر إغلاق المحلات «المؤقتة» بشكل نهائي في انتظار تسلم محله في السوق، إلا أن البعض الآخر ظل يمارس تجارته على مضض، بحسب محدث «الأخبار».

 

«الفراشة» ومطالب بالحلول

«حنا كثر من ثلاثين سنة وحنا خياطة هنا فسوق الصالحين، حنا ولاد لبلاد والدوار الجديد، وكنا كنترزقوا الله من هاد الحرفة، والسلطة قالت لينا تحولو حدا السمارة.. مشينا ومن بعد قالو لينا عاودو تحولو.. فين غادي نمشيو؟».. ، يقول عزيز (اسم مستعار)، شاب في أواخر الثلاثينيات من العمر، وهو أحد الخياطين التقليديين الذين دأبوا على الاشتغال وسط سوق الصالحين القديم، والذين تم ترحيلهم بمعية الباعة المتجولين (الفراشة) والتجار أصحاب المحلات إلى سوق السمارة، مضيفا بحنق كبير «هما فكروا فالتجار عطاوهم المحلات إيوا حنا فين غادي نترزقوا الله، راه هاد الحرفة هي اللي كانعرفوا وبيها كونا أسر»، مضيفا «علاش ما فكروا فاش قرروا اديروا السوق باش اديروا بلاصة للصناع التقليديين وصحاب الخياطة لي ما كانت عندهم محلات».

من جهتها، قالت سيدة تشتغل بائعة متجولة «أنا دوزت الحبس، ومبغيتش نبقى فهذيك الحال.. دابا أنا الطقاشر باش نعيش بنتي ونقريها.. فين غادي نمشي.. بغينا غير حل.. غير بلاصا نترزقو فيها»، قبل أن تردف «اعطيونا غير شبر باش حتا حنا نبيعو ونشريو مع الناس ونجيبو مصيريف للوليدات»، مردفة «لقد تلقينا وعودا من الجهات الرسمية بتخصيص أكشاك كما هو الشأن بالنسبة لتجار الطيور وباعة الورد والذين سيستفيدون من السوق، لكن لم نتوصل بشيء»، تضيف المتحدثة.

أما السلطة فكان لها رأي آخر، فهي كانت مجبرة على البحث عن أي حل لإنفاذ أشغال المشروع الذي يحمل لمسة ملكية، ويهدف لتهيئة أكبر سوق عشوائية بسلا، والتي تعرضت لعشرات الحرائق، بحيث لم يكن من بد أمام عمالة سلا والسلطة المحلية سوى إجلاء التجار والفراشة، خارج محيط المشروع لفسح المجال أمام الشركة المشرفة على أشغال التهيئة، في الوقت الذي يبقى تاريخ إعادة الترحيل نحو المحالات الجديدة غير معروف.

 

30 مليارا عرضة للإهمال

سبق للملك محمد السادس أن أعطى انطلاقة مشروع تهيئة سوق الصالحين في يوم الثلاثاء 24 أكتوبر2017، بمقاطعة تابريكت بسلا، حيث يعكس هذا المشروع السوسيو-اقتصادي، الذي رصد له غلاف مالي تقديري قيمته 305 ملايين درهم، النهوض بظروف اشتغال التجار، والعمل على استقرار الباعة المتجولين، والقضاء على البنايات العشوائية، وتحرير الطرق والفضاءات العمومية، والارتقاء بجمالية المشهد الحضري. كما يتوخى هذا المشروع، الذي يمتد على مساحة 23 هكتارا، النهوض بالاقتصاد التضامني، وإدماج التجارة غير المهيكلة ضمن النسيج الاقتصادي، وتحسين الجودة والسلامة الصحية للمنتوجات المعروضة للبيع، وتطوير بنية المدينة الاقتصادية والتجارية.

وتهم أشغال التهيئة بناء مركب تجاري (968 محلا تجاريا)، وسوق مركزي (391 محلا تجاريا)، وملاعب للقرب (4 ملاعب لكرة القدم المصغرة، وملعبان لكرة السلة، ومضمار للتزلج)، وأكشاك لبيع الزهور والعصافير، وفضاءات خضراء، وأماكن مخصصة لركن السيارات، وهي المرافق التي تم اكتمال بنائها مما يزيد عن 20 شهرا. وتزامن انتهاء الأشغال في السوق مع بداية الموجة الوبائية المرتبطة بكورونا، والتي جمدت الحياة في الأشهر الأولى لها وخلال فترة الحجر الصحي الشامل.

وبلغة الأرقام، فإن السوق، الذي عهد بإنجازه لشركة «الرباط الجهة للتهيئة»، في إطار شراكة بين وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (185 مليون درهم)، ومجلس جهة الرباط-سلا- القنيطرة (30 مليون درهم)، وعمالة سلا عبر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (10 ملايين درهم)، وجماعة سلا (70 مليون درهم)، والهيئة المفوضة (10 ملايين درهم)، تضمن عددا من المرافق التي من شأنها أن تجعل منه متنفسا تجاريا لسكان مدينة سلا، كما تضمن المشروع، إلى جانب كل ما ذكر، إحداث مرأب تحت أرضي في إطار شراكة بين جماعة سلا وأحد الفاعلين الخواص، وهو (المرأب) الذي أعاد المشروع بقوة إلى قلب الجدل.

غير أن الأوضاع التي بات يشهدها السوق تنذر بإهمال شديد سيطوله، حيث باتت جنباته أشبه بمراحيض عمومية تفوح منها روائح نتنة، في الوقت الذي تعرضت بعض واجهاته الرخامية للتكسير أو الإتلاف، وعلى الرغم من أن أبوابه الكبرى مغلقة بالسلاسل الحديدية، إلا أن بعض المرافق الخارجية، كساحة الألعاب وملعبي كرة القدم، ظلت دون صيانة، «كنضلوا نتقاتلوا مع الشماكرية والشفرا ليل ونهار فهاد البلاصة» يقول الحسين ، وهو شاب يقارب عقده الرابع، يشتغل حارسا خاصا للسوق، مضيفا أن «إغلاق المراحيض التي تتواجد بالسوق ومنع المقاهي دخول الزبائن دون الجواز الصحي، حول جنبات السوق، خصوصا الأطراف المغطاة منها، إلى مراحيض عمومية».

 

«لاكاف».. عاصفة الشائعات

كما كان الشأن بالنسبة لعدد من مشاريع الرباط وسلا التي رافقها الجدل، ومنها ما تم هدمه بسبب اختلالات في التعمير، راجت أخبار عن تراجع السلطات المحلية بسلا عن إدراج سوق الصالحين في قائمة المشاريع التنموية التي سيتم تدشينها في الأيام القادمة من طرف الملك محمد السادس، والتي كانت تشمل، بالإضافة إلى سوق الصالحين، المسرح الوطني الجديد بضفة نهر أبي رقراق، وخط الطرامواي بكل من سلا القرية، ويعقوب المنصور الرباط، وبالإضافة إلى القنطرة المتواجدة بعين حوالة، وذكرت مصادر إعلامية حينها أن السلطات سجلت عددا من الملاحظات التقنية بخصوص بناية السوق الجديد، والذي انطلقت أشغال بنائه في عام 2017، وتطلب إنجازه أزيد من 300 مليون درهم، وعهد بإنجازه لشركة الرباط الجهة للتهيئة، في إطار شراكة بين وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ومجلس جهة الرباط-سلا- القنيطرة وعمالة سلا عبر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وجماعة سلا والهيئة المفوضة.

وأشارت المصادر إلى أن من أهم الملاحظات التي وقفت عليها لجنة مختصة حول المشروع غياب المرأب تحت أرضي (لاكاف)، وهو ما جاء مخالفا لبنود الصفقة المبرمة، حسب المصادر التي أشارت إلى أن «هذا الأمر كان من أهم الملاحظات التي وقفت عليها اللجنة المختصة، بالإضافة إلى ملاحظات أخرى مرتبطة بالجانب التقني للبناية»، تضيف المصادر التي أشارت إلى أنه من المرجح أن يتم عقد لقاءات بين المتدخلين لبحث التقرير «وسيصدر حينها قرار قد يصل إلى هدم السوق وإعادة تشييده».

«يكذب عليك كذاب إقوليك راه بالصح غادي اتهدم ولا لا، حتى واحد ما يعطيك صح الخبار»، يقول محمد، تاجر الأثواب من المعمرين من تجار سوق الصالحين، ويضيف، مبديا حالة أسف، «حتى واحد ما كا يعطينا هضرة دقيقة، قالوا شي مواقع راه غادي اريبو السوق، لكن السلطة ما خرجات بحتى بلاغ تكذب»، مبينا، بخصوص جدل المرأب، «عندما كنا نراهم يحفرون أساسات السوق بذلك العمق الكبير، كنا شبه متيقنين أن السوق سيحتوي على مرأب تحت الأرض، لكن عندما بني لم يكن يتوفر هذا المرأب، وأستبعد أن يكون في التصميم وسيتم إغفاله أو التلاعب في الأمر، هي مجرد إشاعة»، يعلق المتحدث.

 

سوق ساعة.. المنسيون من «الصالحين»

في مقابل انتظارات تجار سوق الصالحين لتسلم مشاريعهم، يشتكي تجار «سوق ساعة» المتواجد على بعد أمتار من السوق الجديد من «الإقصاء من محلات السوق»، وصرح عدد من تجار سوق ساعة لـ»الأخبار»، أن وضعية «الباعة المتجولين بسوق ساعة مقاطعة تابريكت سلا المقصيين من الاستفادة كباقي المستفيدين بسوق الصالحين المرحلين إلى حي كريمة معظمهم المغلوب على أمرهم والذين يعيشون ظاهرة تراكم الأزبال والنفايات بشكل مثير»، واشتكى التجار الذين يبيعون المتلاشيات من أن «التلوث الناجم عن النفايات هو السبب الرئيس للأمراض البكتيرية وتشكلّ اضطرابات الجهاز الهضمي»، على حد تعبير التجار الذين استنكروا ما اعتبروه إقصاء لهم من المشروع.

 

يفد المئات من بائعي المتلاشيات على سوق «الكلب» أو سوق ساعة الواقعِ جوار حي كريمة بمدينة سلا، يعرضون «سلعا» أغلبها مستعمل، وسط مساحة متربة تعج بالأزبال والنفايات، إلا أن الحالة المزرية لفضاء السوق لا تحول دون وفادة آلاف المتسوقين على مدى ساعات يومي السبت والأحد من كل أسبوعٍ، ينتمي أغلبهم إلى الطبقة الفقيرة والمتوسطة، بحثا عن «هميزات» قادمة من وراء البحر المتوسط بأرخص الأثمان، وفي هذا السوق، الذي يعتبر واحدا من أشهر أسواق المتلاشيات في المغرب، يجد المرء كل ما يمكن أن يخطر على باله، من أواني الطبخ، والكتب، والتجهيزات المنزلية، والألبسة، وقطع غيار السيارات، وحتى الأدوية، ومضارب «الغولف» والتنس، وقوارير الخمر الفارغة، والمطبوعات الإدارية القديمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى