الرأي

شتنبر.. شهر الدعوة إلى إصلاح التعليم

شتنبر هذه السنة بدأ مختلفا ولا شك، لكن يبدو أنه سينتهي مجرد شهر آخر من الأشهر التي اعتاد الناس تلقي الصفعات الاقتصادية عند بدايتها، ليفسح المجال للأشهر الأخرى فقط لا غير.
الأدباء يحبون شهر شتنبر، لكن أغلبهم يمارسون التقية الأدبية مع قرائهم، فتجدهم يكرهون أشهر السنة جميعا، لكنهم مجبرون بين الفينة والأخرى على تبني شهر من أشهر السنة وتعداد مزاياه.. وهكذا أصبح بعض الناس يحبون شتنبر، وآخرون يحبون نوفمبر، فقط لأنها أشهر عبّر بعض الأدباء المشاهير في رواياتهم عن حبهم لها.
أي عاقل يستطيع أن يحب شهر شتنبر، خصوصا في هذه الظرفية الاقتصادية الحرجة؟ فقد أصبح هذا الشهر ملتقى ليس فقط لنهاية العطلة المدرسية وإنما أيضا لعيد الأضحى، بالإضافة إلى الدخول المدرسي بطبيعة الحال. وهكذا تصبح سياسة الادخار التي يفشل فيها المغاربة، بحسب الإحصائيات الرسمية العالمية وليس فقط المحلية، مستحيلة. فالمغاربة شعب عاجز تماما عن الادخار، والسواد الأعظم يعيشون الشهر يوما بيوم، والحمد لله أن عدد أيامه لا تتعدى الـ31 في أطول الحالات، وإلا لكان الوضع حرجا للغاية. ولكم أن تتصوروا حجم معاناة السواد الأعظم من الأسر المغربية البسيطة في صراعها مع توفير مصاريف نوائب الدهر الثلاثة التي تلتقي في شتنبر.
أطلق البعض دعوة إلى المطالبة بمدرسة عمومية محترمة، لكي يكون هذا الموسم الدراسي مختلفا نوعا ما عن سابقيه. تبقى الخطوة محمودة، لكنها للأسف لن توصل إلى أي مكان. لا نقول هذا الأمر من باب التشاؤم أو السباحة ضد التيار، ولكن لأن إصلاح التعليم لا يأتي أبدا بهذه الطريقة. فالشعوب التي تشبهنا كلها تحلم بشيء اسمه النهوض بجودة التعليم، لكننا نكتشف دائما أن هذه الجودة لا علاقة لها أبدا بالوضعية الاقتصادية للبلد ولا بالمستوى الاجتماعي لسكانه.
جودة التعليم لا ترتبط بوجود المدرسة من عدمه. إصلاح التعليم أساسا مرتبط بوعي جماعي بأهمية المدرسة وتقدير للأطر التي تمارس هذه المهمة، ليس ماديا فقط، وإنما اجتماعيا أيضا.
لا يمكن بأي حال من الأحوال إصلاح التعليم في المغرب والنهوض بجودته، ما لم تتم إعادة تشكيل وعي الإنسان. وحتى الوزارة لا تملك فكرة عن مكونات الوصفة التي يمكنها أن تعالج التشوهات التي أصابت التعليم المغربي في مقتل. يعتقدون أن إصلاح التعليم يأتي ببناء أقسام مكيفة أو تثبيت سبورات إلكترونية أو توزيع المحافظ أو الألواح الذكية على التلاميذ.
تجارب الدول الأخرى التي حققت قفزة نوعية في التعليم، تقول إن إصلاح التعليم مرتبط بـ«إصلاح» وعي الشعب أولا. والبداية تبدأ عبر تقديس الحصص المدرسية حتى لو تلقى التلاميذ الدروس في الخيام المتنقلة. وقد رأى العالم كيف أن اليابان بعد أن بدأت معالم الحياة تعود إليها عقب إلقاء القنبلة الذرية عليها في نهاية الحرب العالمية الثانية، قررت أن تكون الخيام أول ما يتم بناؤه بعد عودة الحياة إلى المدينة، ليس لإيواء الناس وإنما لاستئناف عمل المدارس.
هذا الوعي بأهمية المدرسة وتقدير مكانة المدرّس اجتماعيا، هو الذي ضمن لليابان الوصول إلى ما وصلت إليه اليوم بعد أن كانت البلاد مجرد حطام بسبب الحرب.
في المغرب لا توجد إرادة لا من الوزارة ولا من الناس. يعتقد المغاربة اليوم أن الحل لإصلاح التعليم هو اعتماد التعليم الخصوصي، وهذا خطأ. لكن الناس معذورون، ما دام رئيس الحكومة نفسه يعتقد أن الحل هو اعتماد المؤسسات الخصوصية وتحرير التعليم. والحمد لله أن رئيس الحكومة منشغل بأمور أخرى عن التعليم وإلا لكانت كارثة حقيقية.
إصلاح المدرسة العمومية لن يأتي بتشييد أقسام جديدة أو طلاء الأسوار. إصلاح المدرسة يبدأ بإعادة الاعتبار لأهمية التمدرس في حياة الأفراد، بدل تأليف النكات عن التلاميذ والمدرسين، واعتبار باعة المخدرات نماذج ناجحة في الحياة.
المشكل أن هذا النقاش يعود إلى الحياة كل شتنبر، ويموت عند نهايته. ولكي تكون لدينا مستقبلا مدرسة عمومية طموحة، يجب أولا أن نكف عن الانخراط في الدعوات الموسمية للإصلاح، لأنها لا تفضي إلى أي مكان.. للأسف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى