الرئيسية

عائشة.. حفيدة المجذوب التي تزوجها عبد الحي الكتاني وهربت معه إلى نيس بعد الاستقلال

لم تكن عائشة، ابنة عائلة الكتاني المتشعبة الجذور، تعلم أنها بزواجها من أكثر أبناء عمومتها إثارة للجدل، جعلت حياتها تتخذ مجرى مأساويا، مغايرا للنهايات الهادئة التي عرفها آل الكتاني.
فعندما بلغ عبد الحي الكتاني سنّا أهّله للزواج، كانت عائلته تبحث له عن شريكة حياة من محيطه العائلي، حفاظا على تقليد عائلي عريق يتمثل في الزواج من أبناء وبنات العمومة وتقديمهم على الأنساب الأخرى. فالشاب الذي ولد سنة 1884، كان قد تأهل للزواج سنوات قليلة فقط قبل بداية القرن الماضي، فتحركت أمه التي كانت تتحدر من العائلة نفسها أيضا، ورغم أنها ابتعدت عن أبناء العمومة المباشرين، فإنها خطبت له عائشة الكتاني بنت محمد الطاهر، الذي كان قد تزوج بدوره من عائلة الكتاني. وللإشارة فإن محمد الطاهر هو حفيد عبد الرحمن المجذوب.
لم يكن اختيار عائشة الكتاني عشوائيا، فقد كانت العائلة تبحث عمن تليق بمقام عبد الحي الكتاني، خصوصا وأنه كان مفخرة كبيرة لوالده وأمه وأعمامه، حتى بعد أن غادر فاس إلى مصر ليدرس في جامعة القرويين وينهمك في تأليف الكتب العلمية التي لا زال أغلبها في مكتبة العائلة وبعض المكتبات الأخرى إلى اليوم، من بينها مخطوطات كُتبت بخط يده، نُهب بعضها بعد أن أدين بعد استقلال المغرب سنة 1956 بالخيانة والتواطؤ مع فرنسا لإبعاد محمد الخامس عن العرش، فتعرضت ممتلكاته للمصادرة، وكان من بين الأشياء التي صودرت، مخطوطات تعود له، كان قد ألفها بخط يده في وقت سابق.
كانت عائشة تصغر زوجها عبد الحي الكتاني بسنوات، لكن أمه التي اختارتها له، بعد أن تحدث الآباء في الأمر بدون علم مسبق من عبد الحي، كانت تعلم أنها كانت أعقل أخواتها البنات، رغم أنها لم تكن أكبرهن سنا، لذلك تم الزواج سريعا وبتوافق عائلي بالإجماع.
رافقت عائشة عبد الحي الكتاني إلى الرباط، عندما انتقلت السلطة إلى هناك، وسطع نجمه في السياسة بعد أن تألق في العلوم وأجيز من طرف كبار العلماء في المشرق. لكن عبد الحي، خصوصا خلال الأربعينيات، غرق في بركة السياسة وتخلى عن التأليف، وهكذا بدأت علاقاته مع الفرنسيين في التوطد.
كانت عائشة تقطن في إقامة فاخرة، على الطراز المغربي، شبيهة بدار المقري، التي كان صاحبها «الحاج المقري» صديقا من أصدقاء الحاج عبد الحي الكتاني.
كانت عائشة كثيرا ما تشدد على الخدم الذين كانوا يملؤون أرجاء الإقامة، أن ينظفوا خزانة الكتب باستمرار. وروي عنها أيضا أنها كانت تفاخر صديقاتها، خصوصا من بنات الأعمام، بما كان يملكه عبد الحي الكتاني من مخطوطات في مكتبه.
سرعان ما انقطعت صلة عائشة، حفيدة عبد الكبير الكتاني من جهة أمها، بمحيط فاس عندما كان زوجها عبد الحي الكتاني منهمكا في السياسة إلى جانب الملك محمد الخامس، قبل نفيه، وبعلاقاته المتشعبة مع رجال المخزن، سيما الباشا الكلاوي، وبعض الضباط الفرنسيين الذين كانوا يستدعونه إليهم، أو يبادر هو إلى دعوتهم لتدارس أمور السياسة، خصوصا عندما كانت الأمور بين فرنسا والقصر تتأزم.
لم يكن مسموحا لعائشة شأنها شأن زوجات النافذين وقتها، سيما وأن زوجها عبد الحي لم يكن سياسيا عاديا، لأنه كان متشبعا بتعاليم الدين وخبيرا بأمور الشريعة وأصول الدين، وسبق له أن ألف كتبا كثيرة، (لم يكن مسموحا لها) بمخالطة أي كان أو حتى باتخاذ صديقات مقربات، مغربيات كنّ أو أجنبيات. وهكذا كانت عائشة حبيسة إقامتها في الرباط، بينما صارت فاس بالنسبة لها مزارا، بين الفينة والأخرى لإحياء صلة الرحم، خصوصا وأن عبد الحي الكتاني كان من بين أوائل المغاربة الذين حصلوا على سيارة خاصة بسائق خاص أيضا.
توالت الأيام على عائشة، التي ورثت النسب العائلي لآل الكتاني من أمها، قبل أن يمنحه لها زوجها عبد الحي الكتاني. وكانت الأحداث العصيبة التي ستعصف بكل شيء أمامها، على الأبواب أيضا.
بمجرد عودة الملك محمد الخامس من المنفى وانتهاء أزمة العرش بعد مفاوضات «إكس ليبان» التي كان عبد الحي الكتاني أبرز المدعوين إليها لقيادة المفاوضات، وبالتالي الدفاع عن الأطروحة والمقترحات الفرنسية، كانت الحلقة قد بدأت تضيق على عنقه، وأسماء أخرى ستلقى مصيره نفسه.
عندما تم الإعلان عن موعد رجوع طائرة محمد الخامس إلى المغرب، كان عبد الحي الكتاني يجمع أغراضه، بينما كانت عائشة تذرف دموعها لأنها سمعت محدثي عبد الحي يخبرونه أنه لم يعد من الآمن بقاؤه في الرباط ولا حتى في فاس، وأنه يجب أن يغادر داره الفاخرة ويلجأ إلى مكان لا يعرفه أحد إلى أن تهدأ الأوضاع.
وكما كان متوقعا، فإن اسم عبد الحي الكتاني كان من أبرز الأسماء التي تعرضت للمساءلة وتمت مصادرة ممتلكاته واتهم بالخيانة والعمالة، وظل بعيدا عن الأنظار، سيما وأن أصدقاءه الفرنسيين تدبروا له أمر ترحيله مع زوجته إلى مدينة نيس الفرنسية، حيث قضى رفقة عائشة آخر أيام حياته قبل أن يتوفى سنة 1962.
وتقول بعض المصادر إن عبد الحي تقدم بطلب لدى الملك الحسن الثاني وقبله للملك محمد الخامس، مقابل العفو عنه والعودة إلى المغرب، لكن طلباته تلك لم تكن تصل إلى القصر. وهكذا كانت عائشة مضطرة لأداء ضريبة علاقات زوجها الذي لم تشفع له مؤلفاته ولا اجتهاده، في البقاء بالمغرب بعد انهزامه في لعبة السياسة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى