الرئيسية

عسكري فضل التاريخ والجغرافيا وكان أول من وضع الخرائط بين يدي مولاي الحسن

حسن البصري
اسمه الكامل هنري ماري دو لاكروا دوكاستري، لكنه عرف بـ«الكونت كاستري»، وهو من مواليد باريس عام 1850، وسط أسرة ضاربة في عمق المعرفة، لكن قدر له أن يقضي فترات طويلة من عمره في المغرب، إلى أن عاد إلى مسقط رأسه عليلا حيث اختار الموت في باريس عام 1927.
جمع هنري بين التكوين العسكري والتاريخي والجغرافي، لكنه كان يميل أكثر للجغرافيا ويجد متعة حين يتخلص من بذلته العسكرية، خاصة وأن أول تعيين له كان في الجزائر التي حط فيها الرحال وعمره لا يتجاوز الـ23 عاما، حيث اشتغل في مصلحة طوبوغرافية في وهران.
تلقى هنري، بعد عام، أمرا بالانتقال إلى الحدود المغربية- الجزائرية من أجل التصدي لثورة بوعمامة في فكيك، وبعد إخماد تمرد هذا الثائر ضد فرنسا، اشتغل في المناطق الحدودية وعهد إليه بوضع خرائط لها، وهو ما مكنه من لقاء السلطان مولاي الحسن حيث عرض عليه خرائط المملكة الشريفة وتتضمن تفاصيل جغرافية أمكنة ظلت في منأى عن المسح الطوبوغرافي.
عندما خضع المغرب للحماية الفرنسية، اختار المقيم العام الماريشال ليوطي دوكاستري ضمن فريق عمله، وعينه مؤرخا للإقامة العامة، وهو ما مكنه من إنشاء «معهد التاريخ» بالمغرب بدعم من المقيم العام، وهي المؤسسة التي حملت اسم «هنري دوكاستري».
ورغم رتبته العسكرية، إلا أن ليوطي انخرط في تأسيس مجموعة من المؤسسات المهيكلة للبحث العلمي والجغرافي، أهمها البعثة العلمية المغربية، مؤسسة هنري دوكاستري، معهد باستور بالرباط، المدرسة العليا للغة العربية واللهجات البربرية، معهد الدراسات العليا المغربية، والتي ساهمت في إنتاج تراكم معرفي.
تمت ترقية هنري دوكاستري إلى رتبة كولونيل، واتخذ من باريس مقرا لأبحاثه، بعد أن خصصت له اعتمادات من الميزانية المغربية، تحت مسمى «القسم التاريخي المغربي بباريس»، وهي مصلحة تابعة لإدارة التعليم، وأسند الإشراف عليها، بعد وفاة دوكاستري، للباحث بيار فيليب دوكوسي بريساك الذي توفي عام 1963، فتقرر نقل ذلك القسم ومحتوياته من باريس إلى المغرب في أوائل عام 1974.
كان ليوطي حريصا على توفير كل الإمكانيات لصديقه هنري دوكاستري، وهو ما كشف عنه عبد الحي الكتاني في إحدى محاضراته: «أول ما عرفت الكونت هنري دوكاستري في الرباط، قدمه إلي صديقي المارشال ليوطي، حبيب الأمة المغربية، في محل نزلي بالرباط. وقد كنت أرى الكتب في مجلس المارشال وهو إذ ذاك جنرال مقيم عام في المغرب، والكونت إذ ذاك في رتبة كومندار».
كان هنري يصر على التوغل في عمق المجتمع المغربي، وكان دقيق الملاحظة، حريصا على معرفة التفاصيل حتى التافهة منها، بل إنه أنجز دراسة طريفة حول الإحسان، خلص فيها إلى أن فقراء المغرب أكثر ميلا للإحسان من الأثرياء. وقال فيها: «إن المسلمين يبالغون في التصدق»، ما جر عليه غضب الفقهاء.
قضى الباحث الفرنسي رفقة ليوطي وابن عمته الجنرال دوشمبران، حاكم فاس والضواحي، وقتا طويلا في تفحص الخرائط وقراءتها، وشكلوا نواة للطوبوغرافيا الكولونيالية التي ساعدتهم في فهم المغرب. قال الكتاني في تأبين هنري: «نرى في شخصه وأخلاقه مثال اللطف والخلق الفرنسي العالي، إني أقدم تعازينا الحارة على فقيد العلم والتاريخ الكونت دوكاستري، سائلين المولى أن يعوض أهله بالصبر».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى