شوف تشوف

عطيني نعطيك (2/2)

عندما تساوم طالبة، وهي التي تتجاوز من العمر 18 سنة، أستاذها بالجنس من أجل النقطة فهي مذنبة، ويمكن للقضاء أن يدينها بسهولة إذا قدم الأستاذ للقضاء ما يثبت ذلك، بل وتتعرض أيضا لعقوبات تربوية في كليتها، وذلك بموجب القوانين الداخلية لكل الكليات والجامعات، فهذه القوانين تحمي بشكل كامل استقلالية الأستاذ في منحه للنقطة، وأي شكوى من قبله عن تعرضه لضغط مهما كانت طبيعته، سيتم تقديم الطالبة المتورطة في ذلك لمجلس تأديبي فوري، سينتج عنه طردها من المؤسسة الجامعية، لكن بعد أن يرفض الأستاذ مساومتها ويفضحها لإدارة الكلية.
والعكس صحيح أيضا، فيمكن لأي طالبة، بما هي مواطنة، أن تثبت للقضاء تعرضها للابتزاز الجنسي، حينها تكون إدارة الجامعات والكليات، ملزمة بحماية الطالبات، وذلك بموجب القوانين الداخلية أيضا، من انتقام الأستاذ أو الأساتذة، إذ يمكنها دوما أن تتقدم بطعن في النقط الممنوحة لها، وطلب تعيين لجنة قد تكون من جامعة أخرى لتصحيح أوراق الامتحانات.
طبعا في هذا المستوى نتكلم عندما يكون المناخ التربوي في الجامعات سليما وشفافا، فكما أن للأساتذة قوانين تحمي سلطتهم المعرفية وكرامتهم المهنية والشخصية، هناك أيضا قوانين تحمي تكافؤ الفرص وكرامة الطلبة.
أما حين نكون أمام الفوضى، مثل الفوضى التي تعرفها جامعاتنا، حيث الحروب الداخلية الطاحنة في الشعبة الواحدة، وبين الشعب داخل نفس الكلية، وبين الكليات داخل الجامعة الواحدة، فالأمر يصبح غير سوي إطلاقا، حيث تعطيل القوانين وتنصيب الأعراف والعلاقات الشخصية، فما حدث في كلية تطوان يحدث بعشرات الحالات، ولكن بدل أن يتم تطبيق القانون على الطالبات أو على الأساتذة تتدخل الإدارة بـ«خيط أبيض» إما بإنجاح الطالبات المشتكيات وتمكينهن من الشهادات وبالتالي مغادرة المؤسسة الجامعية، وتطوى القضية، أو يتعرض الأستاذ المشتكي للضغط ويتنازل عن شكواه، مقابل تغيير الطالبة المتهمة للشعبة أو تُمنح نقطة «فورفي» 10 وينتهي الموضوع، وكلا الأمرين يحدث سنويا.
لكن لنعد إلى الوجه التربوي للموضوع، فنحن هنا أمام مشكلة حقيقية تتعلق بالنظام البيداغوجي للجامعة المغربية، والذي يطالب الجميع بإصلاحه، وكم هو مؤسف جدا هنا أن الحكومة السابقة قضت خمس سنوات وهي تدعم الجامعات الخاصة، تاركة الجامعات العمومية في مستنقع نظام تربوي، حوَّلها إلى مجرد ثانويات كبيرة، كما حول الطلبة إلى مجرد تلاميذ كبار، والمدرسين إلى مجرد موظفين يعانون ضغط الزمن والتقويمات، لذلك نقولها وللمرة المليون، إن المسؤول الأول عن تناسل أحداث التحرش الجنسي والابتزاز والمتاجرة والمحسوبية والزبونية، بغض النظر عن هوية «الصياد والطريدة» أو «البائع والمشتري»، هو هذا النظام البيداغوجي المعمول به حاليا، وهذا ما يجدر بالوزير الجديد خالد الصمدي أن يبدأ به إن هو رغب فعلا ألا يكون مجرد صفر إلى شمال «إخوانه» الذين تعاقبوا على قطاع التعليم العالي منذ 2012، وهو نظام تم تقديمه على أنه إصلاح للجامعة، فيما هو في العمق تخريب للجامعة، نظام تم وضعه لإنجاح أكبر عدد ممكن من الطلبة، عبر اعتماد نظام التعويض، وذلك ضد رغبة الأساتذة، الأمر الذي كانت له نتائج على مستوى جودة تكوين حاملي الشهادات، ومن ثم طبيعة العلاقات الموجودة بين الأساتذة والطلبة.
فالأستاذ الذي يجد نفسه أمام 600 ورقة عليه تصحيحها في الفصل الأول، في ظرف لا يتعدى خمسة عشر يوما، لا يمكنه إطلاقا أن يصححها بموضوعية، مهما حاول، لذلك يكون إما مضطرا لبذل مجهود ذهني وجسدي كبير على حساب البحث العلمي وتأطير الطلبة، أو يلجأ إلى الطريقة السهلة وهي منح النقط بشكل عشوائي، حيث تعطى الأولوية للطلبة المحظوظين، العائلة، عائلة الزملاء في الجامعة، بعض الطلبة المتملقين والمتملقات.. في حين أن الآخرين تمنح لهم نقط عشوائية، أحيانا تكون أقل بكثير مما يستحقونه وأحيانا تكون أكبر بكثير من المجهود الذي بذلوه، وفي كلتا الحالتين هناك ظلم حقيقي، والخطير هو أنه لا أحد يمكنه أن يراقب هذا الأستاذ، لكونه «أستاذا باحثا».
ما نريد أن نقوله هو أن النظام التربوي في الجامعة المغربية وفر مناخا خصبا للرداءة بكل تجلياتها، فالطالبة التي ترى أن زميلتها قد حصلت بشكل عشوائي على نقطة غير مستحقة، ستلجأ إلى اعتماد استراتيجية «الصياد والطريدة» للحصول على نقطة، ففي الأخير لا أحد سيحاسب الأستاذ على النقطة المنحة إن لم يحاسبه ضميره، والأستاذ من جهته يرى زملاء له يعتمدون طرقا للتقويم والامتحانات لا يمكن أن تضمن الموضوعية، ومع ذلك لا أحد يحاسبهم، بل ويستفيدون من ترقياتهم بشكل عادي، بل منهم من يعمد إلى نشر بحوث طلبته في مجلات محكمة باسمه، بعد أن يدخل عليها تعديلات طفيفة، ويحصل عبرها على ترقيات، دون أن يراقب أو يحاسب. فإذا عدنا إلى حالة أستاذ كلية تطوان، سنجد أن الأستاذ، حسب صور الرسائل المنشورة على نطاق واسع، يساوم بالنقط كأنها شيء يملكه في جيبه، إنه يقول لطالباته «شحال بغيتي» «شحال نعطيك» «أنا نعطيك 16»، «تهلاي فيا نتهلا فيك»، والطالبات المتورطات يساومن هن أيضا وكأنهن في «رحبة البهايم»، «دير لي خاطري ندير ليك خاطرك»، «ما يكون غير خاطرك»، «أنا نعجبك»، لأنهن متأكدات أنه لا أحد يمكنه أن يمنع الأستاذ المعني من وضع 19 بدل 16 كما جاء في إحدى الرسائل.
والسؤال هو لنفترض أن الجهة التي قامت بقرصنة حساب الأستاذ لم تقم بفعلتها، وفضحت الموضوع برمته، هل هناك جهاز إداري أو شخص ما في إدارة الكلية يمكنه أن يكشف الأمر أو يراقبه؟ ثم كيف سيكشف ذلك؟
إن هذا النظام الجامعي لا يسمح فقط بالرداءة المعرفية عند الخريجين، وهو الأمر الذي لا يحتاج منا إلى مرافعة لإثباته، ولكنه أيضا يسمح بالرداءة الأخلاقية، سواء كان الطرف المتورط طالبة تبيع جسدها للنجاح، أو أستاذا يبيع نقطه للجنس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى