الرأي

عقلية «الكارو»

شامة درشول

يحكي التاريخ أن المغاربة اعتادوا وهم يذهبون إلى الحج يوم لم يكن بعد للطيارة وجود، أن يمروا عبر القاهرة، وهناك يستريحون بضعة أيام، يعرضون فيها تجارتهم، يصلون فيها أرحامهم مع أصهارهم المصريين، ويستعدون لليوم العظيم، ذاك اليوم الذي يطوفون فيه حول ضريح السيد الحسين بحي الحسين الشهير.

ويحكي التاريخ أن يوم الطواف حل، وحين كان الحجاج المغاربة يطوفون بحي الحسيني، انتاب أحدهم غضب شديد، وانهال ضربا على مواطن مصري كان يجلس بالمقهى، وهو يقول: «كيف تتجرأ على أن تدخن السجائر ونحن نطوف بالحسيني؟».

علاقة المواطن المغربي بالسجائر علاقة خاصة، حتى أن أكثر تعبير يجسدها هو تلك النكتة التي تقول إن رجلا اقتحم غرفة نومه، فوجد زوجته رفقة عشيقها، فقال الزوج: «ياك اللا؟ إوا من هادي لكارو».

في دول المشرق، وبشكل خاص، مصر، الأردن، سوريا ولبنان، التدخين هو جزء من الحياة اليومية، لا تكاد تختلف فيه امرأة عن رجل، وقد يكون أكثر شيء يتساويان فيه. طبعا هنا الحديث عن المدن الكبرى، وليس عن القرى في هذه  الدول، أو ما تبقى من بعضها. لذلك لا يزال المواطن المغربي يستغرب من رؤية امرأة ستينية، محجبة، تمسك في يدها سبحة، وفي الأخرى عصا «الأرجيلة»، أو سيجارة. ولا يزال المواطن المغربي يستغرب من كم هذا الدخان الذي ينفثه المواطن المشرقي سواء على شكل «سيجارة حشيش»، أو «سيجارة تبغ»، أو «معسل الشيشة». التنفس في دول المشرق لا يحلو إلا إن كان منسما برائحة التبغ، لذلك هذا المواطن يعتبر المغرب بلدا «خاليا من رائحة الدخان»، ويستغرب لوجود أماكن مخصصة لغير المدخنين في المقاهي، ويستغرب أكثر لمنع التدخين داخل وسائل النقل والأماكن العامة.

المشكلة هنا ليست فقط في علاقة المشرقي والمغربي بالتدخين، لكن في موقف المغربي من التدخين، أو بشكل أدق، في تضارب مواقف المغربي تجاه عدد من الأشياء، والمشكلة الأكبر، هو عدم شعوره بهذا التضارب، وهذا الالتباس، بل محاولته التعايش معه، وكان بالإمكان أن يكون هذا الأمر شخصيا، لكن حين يتحول إلى عقلية، وتصبغ هذه  العقلية نتائجها على مجتمعنا، وتتحول إلى عائق حقيقي لتقدم هذا البلد، هنا يصبح «الكارو»، مشكلا فعلا.

الفتاة التي لا تجد حرجا في أن يكون لها من «الأحباء» الكثير، وتجد هذا جزءا من ذكائها، وقدرتها على لف عقول الرجال، هي واحدة من «عقلية لكارو» هاته. والفتاة، التي لا تجد حرجا في مضاجعة الكثيرين، أو حتى واحدا، لكن تصر على الاحتفاظ بغشاء البكارة لأن هذا يؤمن لها «مستقبل الزواج»، هي جزء من «عقلية الكارو»، والمجتمع الذي يوصي المرأة أن تتكتم عن مغامراتها العاطفية، وأن تجيب الرجل الذي يسألها عنها بأنها لا تزال «قطة مغمضة العينين»، هو مجتمع يحرص أن تكون «عقلية الكارو» هي السائدة، والمجتمع الذي يخبر المرأة أنه من الأفضل ألا تتحدث عن تجاربها الجنسية، أو حتى العاطفية حتى لو كان مجرد حب عذري عابر، لأنه باعتقاده أنه من الأفضل الكذب على الرجل بدل تربية هذا الرجل على أن المرأة كائن مثله له رغباته ونزواته، ومشاعره وميولاته، هو مجتمع لا يقبل بالإقلاع عن «لكارو»، والرجل الذي يقبل المرأة أن تكذب عليه، وهو يعرف أنها تكذب عليه، على أن يقتنع بأن لكل منا أخطاءه، وهفواته ورغباته، هو رجل أدمن على عقلية «الكارو».

المدخنون أدرى الناس بأن الإقلاع عن التدخين ليس بالأمر السهل، فما بالك بمجتمع بأكمله يتنفس على دخان «عقلية الكارو»، غير قادرة على أن ترى أن العيب هو أن تعاشر امرأة متزوجة رجلا آخر غير زوجها، بل العيب أن هذه  المعاشرة هي طريق للقيام بما هو أفظع وهو «تدخين الكارو»، والأدهى أننا نجد هذه  النكتة مضحكة، ونصر على تداولها، مثلما نصر على تناقل نفس التضارب في القيم، والالتباس في المواقف، وهو لا يدل سوى على أننا ندخن سجائر من أرخص الأنواع.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى