الرأي

عندو الـ «باك»..

يونس جنوحي

اليوم تحل امتحانات الباكالوريا. التمرين السنوي الذي توضع فيه أنظمة التعليم في كل دول العالم تحت المجهر.
إذ رغم وجود امتحانات أخرى في الجامعات، إلا أن «الباك» لا يزال يتبوأ صدارة الامتحانات أهمية في حياة الأسر. هو أيضا آخر الأدلة على أن المدرسة العمومية لا تزال تتنفس. سنويا تُخرج أفواج من المتفوقين القادرين على المنافسة في كبريات الجامعات العالمية والمعاهد، رغم أن كل المؤشرات تؤكد أن التعليم المغربي في أزمة.
في العام الماضي، سحبت السفارة الألمانية بالرباط، وهي خطوة غير مفهومة وغير منطقية أيضا، البساط من تحت أقدام الطلبة المغاربة المتفوقين الراغبين في متابعة دراستهم في ألمانيا الاتحادية. وأعلن السفير إغلاق مكتب وضع طلبات التسجيل في الجامعات الألمانية والمعاهد، بدعوى أن الطلبة المغاربة يتخلون عن الدراسة بمجرد ما يضعوا أرجلهم في المطار، وهذه إهانة لكل أبناء المغاربة المتفوقين الذين يدرسون في كل أنحاء العالم. إذ إن التعميم سياسة الجهلاء.
إذا كانت نسبة من الذين يختارون متابعة دراستهم في الخارج ينقطعون عن الدروس ويتجهون صوب سوق الشغل مباشرة ولو أن التأشيرات التي يحملونها لا تسمح لهم بالعمل في الاتحاد الأوربي، فهذا مشكل مركب يجب على الحكومة الألمانية أن تراقبه وتسن عقوبات ضد المخالفين، وليس أن يغلق السفير الألماني في الرباط الباب أمام الطلبة المغاربة الراغبين في وضع طلبات الحصول على تأشيرة الدراسة، خصوصا وأن بعضهم حصلوا على الموافقة للتسجيل في معاهد مرموقة لا يستطيع كل أبناء الألمان أنفسهم ولوجها.
استطاع الطلبة المغاربة التفوق في مجالات معقدة، بل واستطاعوا الالتحاق بمعاهد ليست في متناول أبناء تلك البلدان أنفسهم.
في بريطانيا مثلا، توجد معاهد وتخصصات عليا، تصل نسبة الأجانب المسجلين بها أكثر من 80 بالمائة، وهي أرقام توجد في الكتاب السنوي لتمثيلية المعاهد التي تربطها عقود تنسيق مع جامعة «كامبريدج» المرموقة.
كما أن نسبة مهمة جدا من هؤلاء الطلبة منحدرون من دول العالم الثالث، ويضطرون للعمل لتغطية نفقات الدراسة والسكن. بينما أبناء البريطانيين أنفسهم ليسوا جميعا في مستوى ولوج تلك المعاهد رغم أنهم نتاج تكوين أكاديمي اعتمدته الحكومات المتعاقبة في بريطانيا. وهذا لا يعني أن التعليم عندهم في أزمة بقدر ما يعني أن نظام المعاهد عندهم صارم جدا وعلى قدر كبير من النجاح بحيث يستطيع استقطاب الكفاءات، من طلبة ومدرسين أيضا، من كل أنحاء العالم.
في المقابل تجد عندنا في المغرب أن تلميذة حصلت على الباكالوريا سنة 2019، بمعدل مشرف جدا، ولا تتوفر أسرتها على الموارد المالية الكافية لتسديد مصاريف التنقل من منطقتها إلى العاصمة الرباط لاجتياز مباريات ولوج المعاهد، ولا تتوفر حتى على إمكانية تغطية مصاريف التحاقها بأقرب كلية، إلى الجماعة الترابية التي تسكن بها الأسرة، لولا تدخل بعض الجمعيات لتمكينها من هذا الحق.
اليوم، تعود ذكريات كثيرة لأذهان ملايين المغاربة الحاصلين على شهادة الباكالوريا خلال الخمسين سنة الأخيرة. أجيال من المتخرجين كلهم يحملون ذكرى من ذلك اليوم الذي بصم مسارهم الدراسي، حيث كان «الباك» أهم من كل امتحانات الحياة. حتى أن الناس كانوا يحيطون الامتحان بهالة من التقديس، ويترقبون أعداد الجريدة التي تنشر لوائح الناجحين لتعمم على كل الأقاليم، مما يزيد الشهادة أهمية. حتى أن أحد المسؤولين القدامى في الداخلية، أراد أيام إدريس البصري منع دكتور ينتمي للمعارضة، من إلقاء كلمة على هامش ندوة لمناقشة تدبير الشأن العام في مدينة أكادير. وعندما تدخل أحد المسيرين لكي يتحدث مع «سعادة» المسؤول، والذي لم يكن مستواه يتجاوز الشهادة الابتدائية القديمة، ويشرح له أن المتدخل حاصل على الدكتوراه، ردّ عليه بعصبية تحركت لها أوداجه: «والله واخا يكون عندو الباك.. ما يطلعش للمنصة».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى