الرأي

عواقب 11 شتنبر

جيمس زغبي

هذا العام لم أكتب عمودا عن 11 شتنبر، بل مجموعة من التغريدات على «تويتر» استعدت فيها ذكريات وأحداث ذلك اليوم. لكني أجد نفسي مضطرا الآن إلى الكتابة بسبب تعليقات بول كروجمان، الكاتب المرموق الفائز بجائزة نوبل في الاقتصاد، في «نيويورك تايمز». فقد كتب كروجمان سلسلة تغريدات على «تويتر» جاء فيها: «إجمالا، تلقى الأمريكيون 11 شتنبر بهدوء إلى حد كبير، فلم يحدث اندلاع هائل للمشاعر أو العنف ضد المسلمين، وهو ما كان ممكن الحدوث بسهولة. صحيح أن جورج بوش الابن كان رئيسا له سلبياته، لكن يُحسب له أنه حاول تهدئة التحامل وليس تغذيته». وأضاف كروجمان: «السلوك اليومي لم يتغير بشدة. صحيح أن بعض الناس شعروا بالخوف لبعض الوقت من السفر، لكني ذهبت وزوجتي في رحلة لطيفة إلى جزر العذراء، بعدها بشهرين تقريبا، لأن أسعار تذاكر الطيران وغرف الفنادق كانت رخيصة للغاية».
جرأة كروجمان في إنكار العواقب المؤلمة للهجمات على العرب والمسلمين مؤذية للمشاعر، لدرجة أنني وآخرين غيري شعرنا بأننا مضطرون للرد. وبدلا من أن يخفف كروجمان نبرته في اليوم التالي، شددها في سلسلة أخرى من التغريدات. وانتقى كروجمان إحصاءات معينة في مسعى، لتوضيح أن جرائم الكراهية ضد المسلمين أقل بكثير مقارنة بجرائم الكراهية ضد السود.
وبسبب مكانة كروجمان والتأثير المحتمل لما يكتبه، لا يمكنني أن أضرب صفحا عما كتبه. وأريد أن أصحح لأنه لا يتعين علينا نسيان الضرر الذي لحق بجاليتنا وبمؤسسات بلادنا، جراء سياسات إدارة بوش. ففي أعقاب الهجمات، كثرت أعمال الكراهية والتهديد بالقتل. وقد رصد مكتبي 800 رسالة بريد وهاتف محملة بالكراهية، في الأيام القليلة التالية للهجمات. وبعد ساعات قليلة من الهجمات، تلقيت أول تهديد بالقتل. وترك أحد المتصلين رسالة في مكتبي قال فيها: «جيم، أيها المعمم، كل العرب لابد أن يموتوا. سنذبحك ونقتل أطفالك». لقد كانت الرسالة الأولى من بين كثير. وتلقت ابنتي وأحد أبناء أشقائي تهديدات، كما تلقى شقيقي جون تهديدات.
وقد بدأ مكتبي يتلقى تقارير من العرب الأمريكيين على امتداد البلاد عن تهديدات وتحرشات وأعمال تمييز. وقمنا بالبحث ووثقنا كل حالة. وفي شهادتي أمام اللجنة الأمريكية للحقوق المدنية التي أدليت بها، بعد شهر من تفجيرات 11 شتنبر، سجلت تهديدات بالعنف وأعمال العنف الفعلية والتحرش ضد العرب، وضد من اُعتبروا عربا أو مسلمين.
ووقعت أعمال عنف ضد الكنائس والمساجد والأنشطة الاقتصادية المملوكة لعرب. وشملت المضايقات الطلاب وسائقي سيارات الأجرة، بل حتى المتسوقين الذين يشبهون العرب. ورصدنا وسجلنا مئات الحالات في الثلاثين يوما التالية للهجمات. وتم إبلاغنا أيضا بمئات الحالات من التمييز في التوظيف والإسكان. وفي عدد من الحالات، أقيل أشخاص من عملهم وتم إخبارهم بأن زملاءهم لا يريدون «عربيا في موقع العمل».
وحين استؤنفت الرحلات الجوية- بينما كان بوسع أسرة كروجمان الاستمتاع برحلات رخيصة الثمن لجزر العذراء- كان الأمريكيون العرب عرضة لاستهداف متحيز وقاس. فقد طلب منهم مغادرة طائرات ومنعوا من حق السفر جوا لأن بعض المسافرين أعلنوا عن عدم ارتياحهم لوجود شخص عربي المظهر على متن الطائرة.
صحيح أن كروجمان محق في أن الرئيس بوش حذر الأمريكيين من إلقاء اللوم على العرب والمسلمين، لكنه لم يشر إلى السياسات التي طبقتها وزارة العدل في إدارة بوش، والتي أدت إلى تركيز الاتهام على العرب والمسلمين. ففي أعقاب الهجمات مباشرة، شنت وزارة العدل حملة اعتقالات واسعة للمهاجرين العرب والمسلمين، وتم التعجيل بترحيل كثيرين. وظهرت حصيلة الذين تم ترحيلهم يوميا في الصحف، مما خلق حالة من الخوف وسط هذه الفئة.
وأعقبت ذلك عملية حظيت بدعاية واسعة جرى فيها الاتصال بآلاف العرب والمسلمين عبر البريد الإلكتروني، وطُلب منهم حضور مقابلات مع مسؤولي الهجرة. ونتيجة لهذا كان هناك خوف حقيقي وسط المهاجرين العرب والمسلمين من احتمال إخضاعهم للإقامة الجبرية، مثلما حدث للأمريكيين اليابانيين، أثناء الحرب العالمية الثانية. وقد نجونا من هذا المصير، لأن كثيرين من الأمريكيين تطوعوا للدفاع عنا. وأقر الكونغرس قرارات تحمينا، كما دافعت عنا عشرات منظمات الحقوق المدنية وزعماء الديانات، من المسيحيين واليهود والسيخ والبوذيين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى