شوف تشوف

الرأي

عودة الغلماني إلى صباه

المعطي قبال

في فرنسا بعد فضائح الانتهاكات الجنسية التي عصفت بالكنيسة، والتي لا تزال تداعياتها تشغل الرأي العام الفرنسي وأرباب الكنيسة، بعد حركة «ميتو» وحركة مناهضة الجرائم التي تطال النساء، انفجرت قبل أسبوع فضيحة جنسية من العيار الثقيل عصفت هذه المرة بأحد أقطاب المسرح الأدبي، ألا وهو الكاتب غابريال ماتزنيف البالغ من العمر 83 عاما وصاحب العديد من الروايات والأبحاث الأدبية والدواوين الشعرية. كما له عمود بأسبوعية لوبوان. ويعتبر أحد المقربين من اليمين المتطرف. علاوة على ذلك فهو يتمتع بسلطة ونفوذ في الوسط الثقافي الفرنسي، إلى درجة أن البعض تساءل عن سر الحصانة التي تمتع ولا يزال يتمتع بها على الرغم من تصريحاته الاستفزازية والمشينة في حق القاصرات والقاصرين.

فالرجل ومن دون حياء ولا حشمة، صرح لعديد من المرات على الهواء الطلق أنه يميل جنسيا إلى الفتيات ما دون الرابعة عشرة وإلى المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين الثالثة والخامسة عشرة !

ولم يكتف بمثل هذه التصريحات خلال مقابلات إذاعية أو تلفزية، بل ألف لتعزيز أقواله دراسات وأبحاث في الموضوع مستلهما بعض الأعلام الأدبية أو الفكرية. وفي كتابه «من هم دون السادسة عشرة» كما في قسم من مذكراته، إشارات بينة لميولاته اللواطية والغلمانية.

وقد تكونت من حوله كوكبة من المثقفين والكتاب والإعلاميين النافذين في مجال النشر والإعلام، أصبحوا ينظرون له بمثابة «ناطق رسمي» باسمهم. ويتماهى مع تصرفاته المنحرفة كل من دانيال كوهن بنديت، فريديريك ميتران، بيرنار كوشنير، والقائمة طويلة، إلى درجة أن لا أحد يجرؤ على انتقاده أو مواجهته.

خلال إحدى حلقات برنامج «أبوستروف» الشهير، وكان ذلك عام 1990، الذي كان يشرف عليه ويديره بيرنار بيفو، كانت الكاتبة الكندية دونيز بومباردييه الوحيدة التي انتصبت في وجه غابريال ماتزنيف الذي استفاض في الحديث عن عشقه للغلمان فيما تابع الحضور في إمعان شروحاته الاستفزازية في موضوع غواية و»قنصه» للمراهقين، فتيان وفتيات، من هم دون السادسة عشرة. أشارت دونيز بومباردييه في معرض حديثها أن هذه التصرفات تقع تحت طائلة القانون كما أنها تشبه تصرفات العجزة الذين «يصيدون» الأطفال بغوايتهم بالحلوى !

بعد انفجار هذه الفضيحة صرحت دونيز بومباردييه بأنها كانت جد فخورة بمواجهة هذا الوحش قبل ثلاثين عاما بالرغم أنها تعرضت لسيل من الانتقادات ولحملة تشهير آنذاك، بل وحتى بيرنار بيفو أبدى بعضا من التملق خلال البرنامج.

وإلى عهد قريب، كانت هذه التصرفات تتمتع بشبه حماية من طرف الإعلام ومن طرف القضاء وكل من استنكر هذه التصرفات يصبح عرضة لهجوم كثيف بحجة الهيمنة الأخلاقية المفرطة على العقول. اليوم تغيرت الصورة وأصبحت قضايا التحرش الجنسي، الاغتصاب والجرائم الجنسية من الخطوط الحمر التي لا يمكن تجاوزها.

وقد يشكل كتاب «الموافقة» الذي وقعته فانسيا سبرينغورا، المسؤولة عن دار نشر جوليار، نقطة تحول في التعامل مع اعتداء المثقفين من كتاب، وباحثين وسينمائيين وغيرهم على القاصرين من فتيان وفتيات. وقد أخذت القلم لتحكي بشجاعة ومن دون مواربة وقوعها تحت تأثير شيخ عاد إلى صباه تحدوه غرائز منحرفة ونزوات شهوانية إلى اغتصاب وهتك أعراض مراهقين أبرياء. كانت فانسيا سبرينغورا ما دون الرابعة عشرة لما التقت في إحدى الأمسيات بغابريال ماتزنيف، فيما تجاوز عقده الخامس. تشير الكاتبة إلى أن هذا الأخير كان ينتظرها أمام الثانوية ليرافقها فيما بعد إلى بيته. دامت هذه العلاقة الشاذة بينهما لسنوات. لم يكن وفيا لها بل أكثر من العلاقات مع فتيان وفتيات آخرين. يبرر البعض هذه التصرفات بكون الفترة أباحت هذه الاباحية التي كانت تُمارس باسم تحرير الجسد من قبضة التقاليد والاخلاق الأسرية أو المجتمعية. احتمى بيرنار بيفو المنشط سابقا لبرنامج «أبوستروف» وراء هذه الظرفية لتبرير ممارسات غابريال ماتزنيف، لكنه في نص وجهه الى صحيفة «لوجورنال دي ديمانش» التي يوقع فيها أسبوعيا عمودا أدبيا، أشار إلى أنه متأسف لعدم عثوره على الكلمات المناسبة آنذاك للرد على تصريحات ماتزنيف. وقتها كانت بعض الكتابات الطلائعية تدعو إلى ثورة جنسية تخلخل أغلال النظام البورجوازي القائم على قداسة الأسرة والزواج. غير أن كتابات ماتزنيف ليست لكاتب طلائعي ولا هو بمبدع أصيل. لا أحد يقرأه اليوم. استفاد حينها من هذا التيار ومن هذه الأفكار لممارسة عاداته الممقوتة والإفلات من قبضة القضاء.

في فرنسا ثمة ماتزنيف بصيغة الجمع. شيوخ تجاوزوا الثمانين عاما، لكنهم يمشقون قاماتهم ويطفشون ملامحهم وينبثون شعرا مصطنعا أو يملسون صلعاتهم كناية على فحولتهم. لكنهم يبقون أشخاصا مرضى انتكاس طفولي.

كتاب «الموافقة» الذي يصدر في الثاني من يناير هو بمثابة قنبلة قد تعصف بأكثر من شخصية كما أنه قد يشكل انطلاقة حقيقية لمناهضة اغتصاب القاصرين والمراهقين. إذ تتوفر في هذه الشهادة كل العناصر لإطلاق حركة مناهضة لهذه التصرفات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى