ثقافة وفن

فاطمة الشنا.. زوجة أوفقير التي عاشت ترف القصور وعذاب السجون

ولدت فاطمة الشنا سنة 1936 في قرية بتراب دائرة سيدي علال البحراوي. عاشت في كنف أسرة زمورية محافظة، لكن والدها كان صارما في تعامله مع أبنائه، لأنه جمع بين تقاليد المنطقة الصارمة وانتمائه للجيش الفرنسي. فقدت فاطمة والدتها «فاضمة» وهي صغيرة السن، فعاشت حياة اليتم مبكرا، في فترة كانت الحماية الفرنسية تحكم قبضتها على البلاد.
لم تنعم فاطمة بالاستقرار، فقد رافقت والدها العسكري في كثير من تنقلاته، قبل أن يقرر، باقتراح من أحد الفرنسيين، إيداعها ملجأ خيريا تشرف عليه الراهبات الفرنسيات في المدينة القديمة لمكناس. هناك عاشت فاطمة ما يشبه الاستقلال المبكر، وأصبحت تتردد في نهاية كل أسبوع على بيت عائلة الفقيه عبد الرحمن بن زيدان، مدرس أصول الدين في مدرسة تكوين ضباط الجيش في مكناس، سيما حين كان الوالد في مهمة عسكرية خارجية ضمن فيالق التجريدة الفرنسية.
بفضل أسرة عبد الرحمن بن زيدان، الذي تربطه علاقة مصاهرة مع القصر، تمكنت فاطمة من قضاء فترة من حياتها في القصر، وهناك كان لها أول لقاء مع السلطان محمد الخامس، كلما تردد على العاصمة الإسماعيلية.
وفي لقاء عابر، سنة 1952، جمع والدها محمد بن عبد القادر بمحمد أوفقير الذي يتقاسم معه الانتماء للجيش الفرنسي، ظهرت الفتاة فاطمة وهي تحمل «صينية» الشاي للضيف، تبادلت معه نظرة وابتسامة، وبعد أسبوع أصدر والدها أمرا فيه نبرة عسكرية يقضي بانضمام فاطمة إلى محمد، ويعلنها زوجة لصديقه دون أن ينتظر موافقتها لأن القرار نهائي ولا يقبل الاستئناف.
كان محمد أوفقير «عسكريا مثل بابا، لذا عشقته كما عشقت بابا»، حسب رواية فاطمة، التي وجدت في عسكري الحماية الفرنسية حنانها المفتقد، فرافقته في كثير من جولاته الخارجية، فازدادت تعلقا به، وهي التي كانت تعاني من خصاص عاطفي كبير.
حصل المغرب على الاستقلال، فارتفعت أسهم أوفقير، خلافا لما توقعه السياسيون الذين كانوا يصفونه بـ«حارس المستعمر الأمين»، فقد قربه إليه الملك الراحل محمد الخامس، وزاد في قربه خليفته على العرش الملك الحسن الثاني، ما مكن فاطمة من نسج علاقات مع القصر من جديد، سيما بعد أن أصبح زوجها أبرز الدعامات الأمنية للنظام.
عاشت سنوات ما بعد زواجها في «أعوام العسل»، فقد عرف عنها ميلها لحياة الترف وأصبحت كل الأبواب التي أغلقت في وجهها مفتوحة، سيما بعد أن أصبحت زوجة وزير الداخلية ثم وزير الدفاع، وكانت تهوى السهر وتقضي وقتا طويلا في دور السينما والمراقص والسهرات الخاصة.
تعترف فاطمة في كتابها «حدائق الملك» بنزعة الخيانة التي سكنت أسرتها، وتؤكد وجود علاقات عاطفية لزوجها مع نساء مغربيات وأجنبيات، كما تعترف بعلاقة الحب التي جمعتها سنة 1963 مع ضابط صغير اسمه حسن كان يشتغل في إحدى الكتائب التابعة لزوجها أوفقير، تقول إنها مارست معه الجنس «بكافة أشكاله في البحر والغابة والبادية والمدينة، متحدية أوفقير وهي ترى ظله في كل مكان تذهب إليه مع العشيق». إلا أنها استمرت في التحدي بطلبها الطلاق لتعيش مع حسن، وبعد انتهاء نزوتها قررت أن تطرده من قلبها بالطريقة نفسها التي أدخلته إليها. في تلك الظرفية قرر أوفقير الزواج من امرأة أخرى أقل «انفلاتا»، وبعد ارتباط دام أزيد من عشر سنوات، قرر العقيد تطليقها واسترجاع فاطمة العائدة من تجربة حب متأخرة مهزومة مكسورة الوجدان.
في صيف 1972 انقلبت حياة فاطمة رأسا على عقب، حيث ستبدأ رحلة معكوسة نحو الشقاء، لتعيش هي وأبناؤها الخمسة في غياهب منفى لمدة تسع عشرة سنة، وتؤدي ثمن خيانة زوجها لثقة الملك حين خطط لانقلاب عسكري بتنسيق مع بعض ضباط القوات الجوية، وساهم في حادث اعتراض طائرة «البوينغ» التي كانت تقل الحسن الثاني خلال رحلة العودة من فرنسا.
أثناء مرور الطائرة الملكية فوق المضيق شمال المملكة، كانت فاطمة وأبناؤها يقضون عطلتهم الصيفية في هذا المنتجع المتوسطي الهادئ، يمرحون ويستمتعون بجمال المكان، قبل أن تتوصل بمكالمة هاتفية من زوجها يدعوها لقطع العطلة والعودة إلى الرباط. في تلك اللحظة تغير كل شيء، وبعد دقائق قتل زوجها الجنرال بخمس رصاصات، قيل إنه انتحر وقيل في رواية أخرى إنه قتل جزاء خيانته ثقة الملك الذي نجا من الموت بأعجوبة.
اعتقلت زوجة أوفقير وصودرت أملاكها وعاشت رحلة الموت البطيء بين المعتقلات السرية، من سجن أسا إلى سجن الكلاوي ثم سجن البير الجديد ومراكش، ليفرج عنها سنة 1991 بوساطة فرنسية، لترحل إلى كندا من أجل ترميم ما تبقى من حطام زوجة. في 15 دجنبر من سنة 2013 توفيت أرملة الجنرال أوفقير في مصحة بالدار البيضاء، عن عمر يناهز 78 سنة، قضت نصفها في الجحيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى