الرئيسيةدين و فكر

فضل قيام الليل

الحديث 692: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم: «يا عبد الله، لا تَكُنْ مِثل فُلانٍ، كَانَ يقُوم الليْلَ فَترَك قيَامَ الليْل»، متفق عليه.
إن قيام الليل عبادة عظيمة وعمل جليل، ولقد مدح الله به عباده المؤمنين، فذكر من أخلاقهم الحميدة التي نالوا بها بفضل الله جنات النعيم قيامهم الليل فقال: «إن ٱلْمُتقِينَ فِي جَناتٍ وَعُيُونٍ، ءاخِذِينَ مَا ءاتَـٰهُمْ رَبهُمْ إِنهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ، كَانُواْ قَلِيلاً من الليْلِ مَا يَهْجَعُونَ، وَبِٱلأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ».فوصفهم بأنهم قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون، فهم يحيون جزءا من الليل، ويختِمون ذلك بالاستغفار عما قدموا وأساؤوا.
وقال جل جلاله: «تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَا رَزَقْناهُمْ يُنفِقُونَ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِىَ لَهُم من قُرةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ»، أخفوا قيامهم في الليل، وصار قيامهم سرا بينهم وبين ربهم، فأنالهم الله ذلك الثواب العظيم، ما لا رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر، وقال سبحانه لنبيه: «وَمِنَ ٱلليْلِ فَتَهَجدْ بِهِ نَافِلَةً لكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبكَ مَقَامًا محْمُودًا».
فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل ويحافظ على قيام الليل، ويخبر أن قيامَه بالليل شكر لربه على نعمه العظيمة عليه، تقول عائشة: كان رسول الله يقوم الليل حتى تفطرت قدماه، فسألته قائلة له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ تشير إلى قوله تعالى: «ليغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخر»، قال: (ألا أكون عبدا شكورا؟).فإن شكر الله على نعمه تكون بالتقرب إليه بالفرائض وبالنوافل، وكلما أحس العبد نعم الله عليه دعاه ذلك إلى أن ينافِس في صالح الأعمال.
وأخبر صلى الله عليه وسلم ما لقائم الليل في الجنة من النعيم المقيم، فقال: (إن في الجنة غرفًا، يُرى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها)، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: (لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وصلى بالليل والناس نيام).
إن في قيام الليل فرصة لك أخي المسلم ونحن في رمضان شهر القيام لتسأل ربك وتشكو إليه حالك، وترجوه من فضله، وتتوب إليه من زللك وخطئك، وتسأله ما أحببت من خيرَي الدنيا والآخرة، فإنك تسأل كريما وقريبا مجيبا وغنيا حميدا، يحب من عباده أن يسألوه ويلتجئوا إليه، وقد وعدهم الإجابة فضلا منه وكرما، «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَني فَإِني قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلداعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلهُمْ يَرْشُدُونَ»، قال جابر بن عبد الله: قال رسول الله: (إن في الليل ساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيرا مِن أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه، وذلك كل ليلة).
قيل لعبد الله بن مسعود: ما نستطيع قيام الليل، قال: قيدتكُم خطاياكم، لو صدقتم الله لأعانكم، ألم تسمعوا الله يقول: «وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لأعَدواْ لَهُ عُدةً وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللهُ ٱنبِعَاثَهُمْ فَثَبطَهُمْ وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْقَـٰعِدِينَ»، (التوبة: 46)
إن قيامَ الليل نعمة يمن الله بها على من يشاء من عبادِه، فيجِد ذلك القائم لهذا الوقت لذة وسرورا وانبساطا وانشراح صدر وقرة عين، وهو قائم يتلو كتابَ الله ويتدبره، ويسبح الله ويحمده ويثني عليه ويلجأ إليه، فما أعظمها من نعمة لمن وُفق لها، ولا يعرف قدرها إلا من منح تلك النعمة، فعلى المسلم الذي يرجو رحمةَ ربه أن لا يفوت هذه النعمةَ ولو جزءا يسيرا، فما يزال العبد يألف تلك الطاعةَ ويحبها حتى يوفقه الله، فيجعله ممن اعتاد هذا العمل الصالح ورغِبه وأحبه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى