شوف تشوف

الرأي

«فكها يا من وحلتيها»

حسن البصري
من المصادفات العجيبة أن يتزامن الجدل القائم حول تغيير تسمية المسرح الوطني محمد الخامس، مع عرض مسرحية «فكها يا من وحلتيها» على ركح نفس المسرح الذي أضحى موضوعا لسجال البرلمانيين مع وزير الثقافة والشباب والرياضة حسن عبيابة، الذي رفض التجاوب مع مطالب فرق الأغلبية بعدم تغيير تسمية المسرح الوطني محمد الخامس والامتناع عن إسقاط «الوطني» من دفتر الحالة المدنية لهذه المؤسسة.
قال الوزير إن وجود مسارح كبرى في مختلف المدن المغربية تلغي صفة الوطني على مسرح الرباط، ودافع ممثلو أحزاب الأغلبية الحاكمة عن مسرح أغلبهم لم يتشرف بالجلوس فيه، وهم يعلمون أن كثيرا من التشريعات الداعمة للفنان المغربي ما زالت معتقلة في البرلمان.
تشبث عبيابة بتغيير تسمية المسرح الوطني محمد الخامس، وسكب أهل الفن والسياسة مدادا غزيرا في ساحة المعركة الكلامية، وفشلت المساعي الحميدة بين الطرفين بعد أن اعتبرت فرق الأغلبية أن الإبقاء على عبارة «الوطني» تمليه دواعي الذاكرة الفنية للبلاد. وحين اشتد اللغط تفرق الجمع وتأجل التصويت إلى وقت لاحق يسدل فيه الستار على موضوع التسمية، ويتم ترسيم الحدود بين الفنان ومؤسسات الدولة.
هو جدل يبدو تافها في نظر الكثير من الفنانين، لأن همومهم أكبر من اسم سقط بالتقادم، مادام الحلم الكبير الذي يسكن أهل الفن هو أن يستيقظوا يوما على خبر إحداث صندوق للرعاية الاجتماعية للفنانين، على غرار مؤسسة محمد السادس لرعاية الأبطال الرياضيين، وأن يتصدى البرلمان لقانون فرض الضريبة على عروض مسرحية نصف متابعيها متسللون أو أصدقاء المتسللين.
وإذا كان الفنانون يطالبون بمعاملة مماثلة للرياضيين في الحظوة، فلا بأس من تذكيرهم بحكاية الفنان العربي باطما الذي أطلق مجلس مقاطعة الحي المحمدي ذات يوم اسمه على ملعب الطاس، تساءل أبناء كريان سنطرال عن العلاقة بين عازف وملعب، فقيل إنه كان يشغل قيد حياته مهمة في المكتب المسير للاتحاد البيضاوي عندما كانت «مهمومة». قالوا آمين.. لكن ذات صباح حضرت القوة العمومية واستبدلت الاسم وانتزعت اللوحة في ما يشبه غارة لتحرير الملك العمومي. سقطت «اليافطة» وهدم الجدار، وحين قرأ قائد لمخازنية في عيون أبناء الحي نظرة عتاب، ردد على مسامعهم: «ما هموني غير لرجال إلا ضاعوا لحيوط إلا رابو كلها يبني دارو».
لن يغضب رجال ونساء المسرح بسبب إسقاط «الوطني» من الاسم الرباعي لمسرح العاصمة، ففي كرة القدم تدشن الملاعب وينسى المسؤولون تسميتها ونحر أضحية تيمنا بالاسم. باستثناء ملاعب تعد على رؤوس الأصابع فإن كل المنشآت الرياضية بلا اسم ولا عنوان، وكأنها كائنات متخلى عنها بدون دفتر الحالة المدنية. لهذا يجد كثير من الصحافيين حرجا في تسمية ملاعبنا فيصفونها بالملاعب الكبرى من باب التفخيم.
قال أحد المحققين في أعمال شغب عرفها ملعب مراكش، إنه وجد نفسه في موقف حرج وهو يبحث عن تسمية لمسرح الجريمة، وحين وصفه بالملعب الكبير، فنبهه رئيسه إلى ضرورة إضافة كرة القدم لأن أكبر ملعب في مراكش هو ملعب الكولف.
يصر أهالي طنجة على تسمية ملعبهم «ملعب ابن بطوطة»، لكن المستندات الرسمية لـ «سونارجيس» تعتبره بدون اسم أو لقب، وتكتفي بالاسم المتداول «الملعب الكبير»، ليس لأن ابن بطوطة لا علاقة له بالكرة، بل لأن التسمية تحتاج إلى قرار من مجلس المدينة وتزكية من وزارتي الداخلية والشباب والرياضة وموافقة من أسرة الرحالة ومسطرة معقدة جعلت نصف ملاعبنا «بلدية». كما يصر أهالي أكادير على تسمية ملعبهم «الكبير» بملعب أدرار وتعني بالأمازيغية الجبل، لكن الشركة «طلعت للجبل» وأصرت بدورها على تسمية الملاعب بأحجامها لا بتاريخها أو جغرافيتها.
أما واضعو مشاريع ملاعب القرب فيرددون لازمة «حتى يزيد ونسميوه سعيد».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى