الرأي

كلكم سعد لمجرد

كان الجو ممطرا ما ألزم البيضاويين بيوتهم، فيما انشغل أغلبهم بمتابعة أطوار «الديربي» البيضاوي المنفي إلى أكادير بين الرجاء والوداد على شاشة التلفزة، أما الشجعان منهم ففضلوا متابعته في المقاهي نظرا لطبيعة الطقوس الحماسية التي يفرضها، وقرر متحمسون للمغني سعد لمجرد التوجه إلى أبواب قنصلية فرنسا لإقامة عرس عشوائي تتخلله الأهازيج والزغاريد وكأنهم يريدون أن يزفوا لمجرد القابع في زنزانته بسجن فلوري ميروجيس الرهيب.
كان واضحا أن المتظاهرين أمام القنصلية التي لا ناقة ولا جمل لها لا من قريب ولا من بعيد مع ملف محاكمة لمجرد، قد أخطؤوا العنوان والقضية التي «يناضلون» من أجلها ماداموا قد احتشدوا أمام تمثيلية ديبلوماسية من أجل الدفاع عن المغتصب والاغتصاب ورفعوا من حيث لا يدرون شعار «كلنا مغتصبون» حين رددوا «كلنا سعد لمجرد»، في ثاني انزلاق أضحك فينا العالم أجمع بعد ورطة برنامج «صباحيات دوزيم» الذي لقن المغربيات المعنفات كيفية إخفاء آثار الضرب والكدمات بالمساحيق عوض تلقينهن كيفية الدفاع عن أنفسهن قانونيا، وبالتالي العمل على استئصال العنف المنفلت من أي عقاب.
وقد قالت فينا القنوات التلفزية العالمية ما لم يقله مالك في الخمر.
ولعل الذين تظاهروا أمام قنصلية فرنسا قد ارتكبوا خطأ لا يغتفر حين استهانوا بجريمة الاغتصاب وطالبوا بإطلاق سراح مرتكبها، وكأن الفنانين يملكون الحق في اغتصاب الأمريكيات والفرنسيات والتونسيات دون تبعات قانونية وأخلاقية، ولعل ما حفزهم على ذلك أن الاغتصاب بالمغرب يعتبر موضوعا محرما مسكوتا عنه، خصوصا أن أغلب الضحايا لا يصرحن به ولا يلجأن إلى القضاء من أجل إنصافهن درءا للفضيحة وحفاظا على سمعة العائلة، وهو ما قد يوحي للبعض بأن المغرب منزه عن ظاهرة الاغتصاب في غياب الأرقام البليغة التي ستفضح مؤامرة الصمت حول تنامي واقع اغتصاب الأطفال والنساء وزنا المحارم، بل وواقع اغتصاب الأزواج لزوجاتهم الذي يستفيد من نفاق اجتماعي متجذر لا تجرؤ سوى بعض النخب المعزولة على الكشف عن ملابساته والمطالبة بكسر هذا «الطابو» الاجتماعي الذي عمر طويلا وامتلك خاصية الانتشار السرطاني، فيما للمرأة المغتصبة التي تريد أن تبلغ عما وقع لها تتخوف من أن تتهم بأنها هي السبب في ما وقع استنادا إلى طريقة لباسها أو زينتها.
ولا شك أن المتظاهرين المؤيدين لسعد لمجرد يزكون هذا الواقع الرديء، حين يتصورون أن إدانة المغتصبين ينبغي أن تكون انتقائية تعفي «النجوم» من التبعات القانونية والأخلاقية لجرمهم، بل وتصوروا أن القانون الفرنسي الذي تم وضعه لمواجهة الظاهرة بفضل نضالات الحركة النسائية، يمكن أن يخضع لضغط مجموعة من الأشخاص مثل حاتم عمور ورشيد الإدريسي ورياض العمر، وغيرهم ممن قصدوا قنصلية فرنسا للفرجة والتسلية وتوزيع أرقام الهواتف المحمولة على المعجبات والتقاط «السيلفي» وتزجية الوقت في ما لا ينفع ولا يفيد، بينما هم في الواقع يورطونه بوقفتهم الغبية وغير المحسوبة.
على كل حال فالتحقيق ما زال مستمرا ولم ينطق القضاء الفرنسي بعد بالحكم، ونتمنى له البراءة إن كان بريئا فعلا، لأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. لكن في نفس الوقت نهمس في آذان منظمي فسحة قنصلية فرنسا الذين ابتلوا بعمى الألوان لن نرفع معكم شعار: «شوف الاغتصاب وسكت».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى