الرئيسيةبانوراما

كورونا في بيت الرئيس الأمريكي

تفاصيل تأثير إصابة ترامب بالفيروس على مسار الانتخابات الرئاسية

سهيلة التاور
في تاريخ أمريكا الانتخابي، جرى أن يستخدم المنتخَبون مفاجأة قبل الانتخابات بشهر، وهو ما يصادف شهر أكتوبر في سياق الرئاسيات الأمريكية، وذلك لتغيير المسار الانتخابي وإعادة توجيه بعض الناخبين الذين لم يحسموا اختيارهم التصويتي بعد. فعند إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن إصابته بفيروس كورونا، الذي لطالما استهزأ به وهون من خطره، اتجه العديد إلى ترجيح أن يكون مفاجأة من مفاجآت أكتوبر المعروفة. لكن الأيام المقبلة هي التي من شأنها أن تحسم في المسار الانتخابي الأمريكي.

مقالات ذات صلة

قبل شهر واحد فقط من الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي ينتظرها العالم بشوق، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن إصابته وزوجته بفيروس كورونا المستجد. مما أثار فوضى في الانتخابات تزداد إلى  الأزمات الأمريكية حول الحكم والأمن القومي في وقت محفوف بالمخاطر.
وهناك قلق على صحة ترامب، الذي يعاني من السمنة ويبلغ من العمر 74 عاما، من أن يتعرض لمضاعفات الفيروس. رغم خروج طبيبه الخاص، شون كونلي، لطمأنة الجميع عن صحته. لكن نقله إلى المستشفى العسكري يدخل الأوساط السياسية الأمريكية في حالة من الغموض والارتباك وحتى الخوف بين أنصاره وخصومه على حد سواء.
والنتيجة الإيجابية بفيروس كورونا تعد كارثة لحملة ترامب السياسية، بالنظر إلى أنه متخلف عن بايدن في العديد من الولايات المتأرجحة، ويبدو بالفعل أنه بحاجة إلى حدث يغير قواعد اللعبة لصالحه ليخرج منها في الوقت المتبقي.

ردود أفعال عالمية
بمجرد ما أعلن الرئيس الأمريكي إصابته بالفيروس، سيطر الخبر على حديث وسائل الإعلام ومواقع التواصل حول العالم.
وتنوعت ردود الفعل بين التضامن والصدمة والانتقاد والشماتة والتساؤلات.
ففي تغريدة على تويتر، تمنى المرشح الديمقراطي للرئاسة جو بايدن الشفاء لمنافسه، معتبرا أن «ما حدث يذكرنا بجدية الوضع وأننا بحاجة لأن نتبع العلم».
وقرر القائمون على حملة بايدن إزالة جميع الدعايات السلبية عن ترامب، غير أن مستشاري ترامب لم يعلنوا عن اتخاذ خطوة مماثلة.
وعلى المنوال نفسه، غرد الرئيسان السابقان بارك أوباما وبيل كلينتون معربين عن تعاطفهما مع ترامب وزوجته.
وسارع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى بعث رسالة إلى ترامب متمنياً له الشفاء العاجل قائلا إنه «واثق من أن حيوية وتفاؤل الرئيس الأمريكي سيساعدانه على مواجهة المرض».
أما في الصين وإيران فضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات الساخرة والمنتقدة لترامب. وتصدر اسم ترامب مركزا متقدما في قائمة المواضيع الأكثر بحثا على موقع «وي بو» أكثر منصات التواصل الاجتماعي شعبية في الصين.
فلم يخف البعض شماتتهم بإصابة الرئيس الأمريكي. وأطلق المعلقون الصينيون العنان لمخيلتهم لنشر النكات حول الخبر، متسائلين عما إذا كان ترامب سيكف عن اتهام بلادهم بنشر الفيروس.
وجاء التعليق الرسمي الصيني على نبأ إصابة ترامب متأخرا مقارنة بغيرها من الدول الكبرى. وذكر التلفزيون الصيني الرسمي أن الرئيس، شي جين بينغ، بعث برسالة إلى الرئيس الأمريكي عبر فيها عن تمنياته له بالشفاء العاجل.
ومن جهتها، أبرزت وكالة شينخوا الصينية ووسائل الإعلام الرسمية نبأ إصابة الرئيس الأمريكي. حتى أن بعض المراقبين عبر الشاشات الصينية طرحوا نظريات تشكك في إصابته وتعتبرها ‘خطة ذكية من قبل ترامب لتأخير الانتخابات الرئاسية ‘ المزمع إجراؤها في نونبر المقبل.

التشكيك في مرضه
نظرية المؤامرة كانت حاضرة بقوة، فقد شكك معارضو ترامب في رواية ترامب حول مرضه واعتبروها محاولة لكسب التعاطف قبل الانتخابات. ومع نقل ترامب إلى المستشفى تحولت الشكوك إلى الروايات التي يقدمها البيت الأبيض بشأن حالة الرئيس الصحية، فطالب بعضهم الإدارة الأمريكية بالمزيد من الشفافية.
ولا يستغرب معارضو ترامب تشكيك البعض في مرضه نظرا لحجم المعلومات المضللة التي شارك البيت الأبيض في الترويج لها في الآونة الأخيرة، وفق قولهم. في حين يسخر أنصار الرئيس الأمريكي من تلك النظريات والشكوك ويصفونها بـ”السخيفة”.
كما يحذر كثيرون من أن تتحول إصابة ترامب إلى مادة تستغلها وسائل التواصل الاجتماعي التي تديرها روسيا والصين لتعميق الاستقطاب داخل الولايات المتحدة.

كورونا يخذل ترامب
تحمل إصابة ترامب العديد من المفارقات وتثير تكهنات حول تداعياتها السياسية والاقتصادية على الولايات المتحدة وموقعها في الخارج. والمفارقة هي أن يصاب ترامب بفيروس طالما قلل من خطورته.
ففي الأسابيع الأخيرة، صرح ترامب أن شركات الأدوية ستنجح في تطوير أكثر من لقاح قبل انطلاق الانتخابات. ويرى مراقبون أن ذلك التصريح عكس مدى قلقه من تأثير انتشار الفيروس على فرصه في الفوز بولاية ثانية.
وباستثناء مناسبات قليلة، كان ترامب يرفض استخدام الكمامة. وكان يسخر من الصحافيين والسياسيين الذين يرتدونها. وقبل يومين فقط من إصابته بكورونا، تهكم ترامب على المرشح الديمقراطي، جون بايدن، لارتدائه الكمامة. كما تعرض ترامب لانتقادات حادة في الأوساط الطبية بعد أن تساءل عن إمكانية علاج المصابين بكورونا بحقن أجسامهم بمواد مطهرة.
ويقول مراقبون ومعلقون إن ترامب وغيره من «الزعماء الشعبويين في العالم مثل الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، أصيبوا بالوباء لأنهم قللوا من خطورته».
وتساءل البعض عما إذا كان الرئيس الأمريكي سيجري تعديلات على سياساته، في حال فوزه بولاية ثانية، ويلتزم أكثر بتوصيات منظمة الصحة العالمية.
وكانت إدارة البيت الأبيض أخطرت الأمم المتحدة في يوليوز الماضي بأنها تسعى إلى فك ارتباطها بمنظمة الصحة العالمية، التي يتهمها ترامب منذ بدء انتشار فيروس كورونا المستجد بالانحياز للصين. وعلى تويتر، كتب مدير عام منظمة الصحة العالمية «تمنياني الخالصة للرئيس ترامب بالشفاء العاجل والكامل».

توقيت حساس
يأتي إعلان إصابة الرئيس ترامب وزوجته بفيروس كورونا المستجد في موقف حرج يستعد فيه للحشد في توقيت حساس من السباق الانتخابي الذي سيشرف على الحسم بعد أقل من شهر، فضلًا عن تأخره في استطلاعات الرأي في مواجهة منافسه بايدن، والأهم أن الإعلان يأتي عقب المناظرة الرئاسية الأولى التي كان أداؤه فيها موضع نقد، بالإضافة إلى ما تعرض له من حرج حيال الإفصاح عن صحة بعض التسريبات التي تناولت الإقرارات الضريبية له قبيل المناظرة الرئاسية، وبالتالي فهو في أمسّ الحاجة لتكثيف جهوده لحشد المزيد من المؤيدين.
كما يتزامن الإعلان عن إصابته مع تفاقم تفشي الفيروس بالولايات المتحدة الأمريكية ذات أعلى معدلات إصابة عالميًّا (أكثر من 7 ملايين حالة)، وكذلك أعلى معدل للوفاة (أكثر من 200 ألف حالة وفاة)، وذلك وفقًا لتقديرات منظمة الصحة العالمية حتى الثاني من أكتوبر 2020، في ظل الاستياء من الأداء الحكومي في مواجهة الفيروس والسيطرة عليه، هذا بالإضافة إلى عزم الرئيس الأمريكي اللجوء إلى إعادة فتح الأنشطة الاقتصادية من جديد من أجل تقليل الخسائر الاقتصادية.
بالإضافة إلى ما سبق، هناك العديد من الشكوك التي تدور حول حملة ترامب والقائمين عليها مؤخرًا، والتي تدفع بوجود علم مسبق لديهم بإصابة الرئيس الأمريكي بالفيروس قبل حضوره فعالية جمع التبرعات في نيوجرسي الخميس والتي ظهر فيها وهو يبدو عليه الإعياء، الأمر الذي ربما يثير الشكوك حول مدى المصارحة والشفافية ومدى الاهتمام باعتبارات السلامة والوقاية من قبل إدارة ترامب، إذ لم يعلن الرئيس عن إصابته إلا بعد إعلان مستشارته هوب هيكس إصابتها بالفيروس والتي كانت برفقته في المناظرة الرئاسية.

سيناريو تدهور حالة ترامب
رغم تطمينات طبيب ترامب بالبيت الأبيض، شون كونلي، على صحة الرئيس والسيدة الأولى، وتأكيده مواصلة مهامه من منزله، إلا أن الرجل السبعيني قد يواجه مضاعفات خطيرة.
وفي حال عجز ترامب عن أداء مهامه، فإن نائبه مايك بنس سيتولى إدارة البلاد إلى حين تعافي الرئيس، لكن تدهور صحة الأخير بشكل كبير، قد يضع الحزب الجمهوري في موقف محرج على أعتاب انتخابات توصف بأنها «مصيرية».
إلا أن تفاقم الأعراض وصولا إلى عجزه عن خوض الانتخابات سيضع البلاد برمتها أمام استحقاق قانوني غير مسبوق بتاريخها، قد يدفع إلى تأجيل الانتخابات، بالنظر إلى اقتراب موعد الاقتراع، وإدلاء الآلاف بأصواتهم بالفعل في التصويت المبكر، وسيكون لزاما على القضاء الأعلى البت في القضية.
وبحسب القانون الأمريكي، فإن نائب الرئيس يشغل المنصب حال شغوره، وفي حال عجز الأخير أيضا لأي سبب فإن القانون يوفر قائمة من البدائل تضم 17 شخصا آخرين، لضمان عدم تغيير موعد توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع، المحدد في الثلاثاء الأول بعد الاثنين الأول من شهر نونبر كل أربع سنوات، والمعمول به منذ أكثر من مئتي عام.
وترتيب من سيتولون منصب الرئاسة، تباعا، بحسب القانون، في حال عجز أو غياب نائب الرئيس أيضا، هم: رئيس مجلس النواب، الرئيس المؤقت (الثاني) لمجلس الشيوخ، وزير الخارجية، وزير الخزانة، وزير الدفاع، النائب العام (وزير العدل)، وزير الداخلية، وزير الزراعة، وزير التجارة، وزير العمل، وزير الصحة، وزير الإسكان، وزير المواصلات، وزير الطاقة، وزير التعليم، وزير شؤون المحاربين القدامى، وزير الأمن الداخلي.

ارتفاع فرص بايدن
لا شك في أن إعلان الرئيس الأمريكي عن إصابته بفيروس كورونا المستجد سيؤثر على مسار السباق الانتخابي بدرجة أو بأخرى، وكذلك على الفرص الانتخابية لكلا المرشحَيْن؛ إلا أن الأمر يتوقف على كيفية توظيف كل منهما لتلك المفاجأة وتداعياتها.
فمن المرجَّح أن تأتي تلك المفاجأة في صالح المرشح الديمقراطي جو بايدن بالأساس، ومن ثم فإن الفرصة سانحة له ولحملته الانتخابية من أجل توظيف إصابة الرئيس الأمريكي لصالح تعزيز الفرص الانتخابية لـبايدن، إذ يمكن لـبايدن وحملته العمل على استغلال ما حدث للتأكيد على فشل الرئيس الأمريكي وحكومته في إدارة أزمة الجائحة وتراجع الثقة بها وبأدائها، خاصة في ظل تكرار إشارة بايدن إلى أن الولايات المتحدة فقدت ذلك العدد الضخم من الضحايا بسبب سياسات حكومة ترامب وما اتخذته من إجراءات خاطئة، فقد كان بإمكان الحكومة حفظ الأرواح لو ركزت على الأبعاد الصحية والوقائية، هذا فضلًا عن إطلاق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العديد من الوعود التي تتعلق بالتوصل للقاح، وكذلك التقليل من خطورة الفيروس ووصفه بأنه خدعة، مع تقليله من أهمية التدابير الاحترازية وخاصة ارتداء الكمامات، وهو الجدال الذي تأجّج خلال المناظرة الرئاسية الأولى، وهو ما يدعم حجج بايدن بشأن تجاهل ترامب لآراء الخبراء والمتخصصين.
بالعودة أيضًا للمناظرة الرئاسية الأولى، نجد أن بايدن حاجج نظيره ترامب بشأن ضرورة العمل على حفظ الأرواح بدلًا من الإصرار فقط على سياسات إعادة الفتح واستعادة النشاط الاقتصادي، وهو ما يجعل بايدن وحملته في موقف أفضل بسبب أنهم منذ البداية كانوا يراعون التدابير الاحترازية، إذ اعتادت الحملة على إجراء الفعاليات الافتراضية لتجنب التجمعات وهو ما يمنحهم الأفضلية في المرحلة المقبلة حال الاضطرار لاستكمال السباق الانتخابي عبر تلك السبل الافتراضية. وفي ظل سلبية نتائج تشخيص المرشح الديمقراطي للإصابة بالفيروس، فإن حملته الانتخابية تتمتع بفرص الاستمرار في الحشد والدعاية الانتخابية، في حين يتعثر منافسه في السباق الانتخابي.

التعاطف مع ترامب
قد يقوم الرئيس ترامب بتوظيف إصابته بفيروس كورونا المستجد لصالح تعزيز حظوظه التصويتية، وذلك من خلال اللعب على حصد الأصوات المتعاطفة معه، إلا أنه لا يمكنه التعويل على ذلك العامل وحده، فجدير به أن يأخذ في الاعتبار ما تعرض له رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون عندما أُصيب بالفيروس، حيث حصل على المزيد من التأييد له ولحكومته في إطار التعاطف معه، ولكنّ ذلك التعاطف لم يكن كافيًا لإنقاذه من الغضب والاستياء من أداء حكومته في مواجهة جائحة كورونا. وبالمثل، لا يمكن للرئيس ترامب التعويل على حصد التعاطف وحده، خاصة في ظل تراجع الثقة به وبحكومته.
وقد يستغل ترامب ما حدث للخروج من المأزق الذي واجهه بفعل المناظرة الرئاسية الأولى، حيث تعرض ترامب لانتقادات من قبل الحزب الجمهوري ذاته بسبب أدائه خلال المناظرة وردوده المندفعة في مواجهة خصمه بايدن ومقاطعته له باستمرار، وعدم استغلاله الفاعل للمناظرة، ناهيك عن تجنب إدانة الحركات المتطرفة للبيض، فقد رفض العديد من أعضاء البرلمان الأمريكي من الجمهوريين تصريحات ترامب ومواقفه خلال المناظرة، وعبّروا عن استيائهم من أدائه، وهو ما يجعل من المناظرة القادمة تحديًا كبيرًا لحملة ترامب.
وبهذا قد تبدو كفة المرشح الديمقراطي بايدن هي الأرجح بفعل سنوح الفرص أمامه، وفي ظل تقدمه في استطلاعات الرأي مع تعثر ترامب بفعل إصابته بفيروس كورونا المستجد وما يصحب ذلك من تداعيات، إلا أنه لا يزال هناك نحو أقل من شهر على إجراء الانتخابات الرئاسية ووصول السباق لمحطته الأخيرة، وهي فترة تتسع لحدوث المزيد من المفاجآت والتحولات في مجريات الأحداث ومن ثم في نتائج الانتخابات. فلا يزال من المبكر بل من الصعب الحديث عمن سيفوز في تلك الانتخابات “الاستثنائية” في التاريخ الحديث للولايات المتحدة الأمريكية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى