الرأي

كيف تكاثر الحياة نفسها

بقلم: خالص جلبي

في عام 1877 م تمت ملاحظة طريقة التكاثر تحت الميكروسكوب. الخلية الملقحة الأولى تتشكل من اقتحام رأس الحيوان المنوي البويضة، ليعرف لاحقا أن هناك نوعين من الانقسام المنصف والاختزالي (الجنسي). في الانقسام الأول تنقسم الخيطان طوليا ليزحف نصفها إلى قطب الخلية، وتضاعف نفسها مشكلة خلية جديدة. أما الجنسي فهو انفصال مجموعة الكروموسومات المزدوجة، بحيث تحمل كل خلية نصف الكروموسومات، ويتشكل الإنسان من اتحاد النصفين من أمه وأبيه.
في عام 1892م لاحظ (أوغست فايسمان August Weissman) الانقسام المنصفي الجنسي، وذهب إلى أن الكروموسومات هي التي تحمل الصفات الوراثية، المشكلة كانت أن عدد الكروموسومات 46 وصفات الإنسان لا يحصيها العدد، فكيف نجمع بين المحدود واللامحدود؟

وضع اليد على أوامر الخلق
في عام 1900م تم إحياء أفكار مندل، وفي عام 1909م أعطي لفظ الجين للقطعة الوراثية في الكروموسومات، وفي عام 1910م حدد للمرة الأولى موقع الجين على الكروموسوم، وفي عام 1913م رسمت خريطة وراثية منها 6 جينات على الكروموسوم. وفي عام 1902م اكتشف (أرشيبولد جارود) ظاهرة عجيبة عند بعض الناس تقوم على تحول لون البول بعد تعرضه لأشعة الشمس إلى لون قطراني زفتي، وبتتبعه لسلالات الناس المصابين بدأ بالتفكير في صياغة نظرية حول الكروموسومات وعلاقتها بالوراثة، في هذا المرض الذي يتبع قوانين مندل في الوراثة. هنا أصبحت قوانين مندل لا تسري في نبات البازلاء؛ بل في بني آدم من عباد الله.
وفي عام 1905 وصل (وليام بيتسون) إلى تقرير أن الصفة الواحدة تحتاج أكثر من جين وحيد، وهي الملاحظة التي قدمها صاحبنا (كريج فنتر) عندما ذكر أن الضغط الشرياني يتدخل فيه ربما أكثر من 200 جين لتنظيمه مما عرف حتى الآن! فالموضوع ليس بهذه البساطة. فإذا عرفنا أن أنسجة الجسم التي تتشكل بعد تمايز الخلايا لا تقل عن 210 أنواع من الأنسجة (عصبي، هضمي، غدي، عضلي، عظمي… الخ) لم نفاجأ بعدد الجينات المتحكمة في الخلق الإلهي، بين 50 و100 ألف جين أو يزيدون، موزعة بشكل عشوائي حسبما نرى عفويا (بكلمة أدق في غاية الدقة والتوازن) على طول شريط الحامض النووي الممتد عبر ثلاثة مليارات حامض نووي (أربعة أنواع فقط من الثيمين والأدينين والجوانين والسيتوزين ACTG) بطول مترين مضغوطة باتقان في نواة كل خلية، لا ترى إلا مكبرة آلاف المرات. والفقرات الجينية المفيدة موزعة كالإبرة في كومة قش، فتتابع حروف الحامض النووي لا يعني بالضبط معنى محددا، بل هو نصوص طويلة لا تفيد أي معنى، حسبما يقول العلماء، وقد يتبين العكس بعد حين. وضمن هذا الكم من النصوص المتناثرة تبرز بين الحين والآخر جمل مفيدة، وأوامر محددة لصناعات محددة، يتم فيها استنساخ 500 بليون كوبي منها في الثانية الواحدة بدون خطأ واحد، في شريط حلزوني لا يكف عن الحركة والانشطار، سامحا من خلال الانشطار إلى طابعات إلكترونية أن تأخذ نسخا منه باستمرار، لترميم كل خلل ونقص وتجدد في البدن (مثلا تعويض مليوني كرية حمراء في الثانية الواحدة، مع العلم أن كل كرية فيها هيكل من 574 حمضا أمينيا) لتدفق عملية الخلق المستمرة في الجسم، الموت ليس العجيب فهو الطبيعي، ولكن الحياة هي المعجزة الرائعة التي تستمد قوتها من الحي الذي لا يموت في سر من أعظم الأسرار.

دراسة الصفات الوراثية من الذباب وانتهاء بالفيروسات
في عام 1910م حقق مورغان فتحا كبيرا في دراسة الصفات الوراثية من خلال استخدام (ذبابة الفاكهة) فهي تتكاثر كل ثلاثة أسابيع، وعدد الكروموسومات فيها أربعة، ومن حجم كبير نسبيا، مما يمكن من ملاحظة قوانين الوراثة بسرعة، وعرفت العديد من الأمراض التي تنتقل بواسطة الجنس مثل عمى الألوان والناعور (فقد قدرة تخثر الدم) وحثل دوتشين العضلي (عجز الجهاز الحركي).
وفي عام 1935م اهتدى (جورج بيدل) إلى كائنات أفضل لدراسة الصفات الوراثية، فلماذا لا نذهب إلى كائنات تتوالد بسرعة أكثر من الذباب؟ وهكذا قام بدراسة الصفات الوراثية على فطر نوروسبورا (Neurospora)، الذي يتكاثر ليس خلال ثلاثة أسابيع، بل في يوم وليلة! وهي أسرع بعشرين مرة من سابقه مورغان.
وهنا تفطنت جماعة من فريق العمل تدعى (ديلبروك) فقالت وعلى المبدأ نفسه، لماذا لا نبحث عن كائنات تتكاثر أسرع من الطرق السابقة ليس في أسابيع وليس في أيام، بل خلال دقائق! وهكذا وجدوا ضالتهم في البراز عفوا! وجدوها في بكتيريا تعطي البراز رائحته المعروفة وهي جراثيم الايشريشاكولي (بكتيريا البراز) والتي تتكاثر كل 20 دقيقة.
وأخيرا رسى السباق على طريقة مذهلة لدراسة الصفات الوراثية في علم الوراثة، وجدوها في عالم الفيروسات من نوع الفاجات (Phages) التي تتكاثر مائة ضعف كل عشرين دقيقة، وبسرعة الثواني، فهل أدركنا معنى اجتياح كورونا مشارق الأرض ومغاربها في ساعات؟
كان الظن أن البكتيريا لا تحتوي على جينات، وهو الذي ضلل العالم (مورغان) من قبل، فأثبت الفرنسي (جاك مونود) في ظروف قصف فرنسا على يد النازيين، في الحرب العالمية الثانية، أن البكتيريا أيضا لها كروموسومات، وثبت أكثر من هذا، بأن مفتاح وسر ومركز التحكم في صفات كل الأحياء على وجه الأرض هي الكروموسومات في مركزها من الخيل أو الذباب أو البكتيريا أو البعوضة؛ فهلا أدركنا سر عشرات الخلائق المذكورة في القرآن، بما فيها البعوضة الخبيثة. وهكذا فسلم الأحياء من الشجر والحيوان والبكتيريا وانتهاء بالإنسان كلها تملك المورثات الخاصة بها، التي هي سر الهندسة الداخلية ومفتاح التحكم في الخلائق، فتبارك الله أحسن الخالقين.

كان الظن أن البكتيريا لا تحتوي على جينات، وهو الذي ضلل العالم (مورغان) من قبل، فأثبت الفرنسي (جاك مونود) في ظروف قصف فرنسا على يد النازيين، في الحرب العالمية الثانية، أن البكتيريا أيضا لها كروموسومات، وثبت أكثر من هذا، بأن مفتاح وسر ومركز التحكم في صفات كل الأحياء على وجه الأرض هي الكروموسومات في مركزها من الخيل أو الذباب أو البكتيريا أو البعوضة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى