لا حل سوى اليد الممدودة
خص ناصر بوريطة، وزير الخارجية، صحيفة «ذي ستار»، إحدى أكبر الصحف في جنوب إفريقيا، بحوار مليء بالرسائل الديبلوماسية تنتظر الآذان المصغية داخل دواليب الحكم ببريتوريا. بوريطة قال بشكل واضح لا لبس فيه، إنه بات من المهم جدا للمغرب وجنوب إفريقيا أن يعملا جنبا إلى جنب لتعزيز فرص فهم أفضل للواقع السياسي والاقتصادي والجيوسياسي للآخر، وأن تعزيز العلاقات بين جنوب إفريقيا والمغرب سيكون في مصلحة القارة بأكملها ما دام أن الدولتين هما أكبر المستثمرين في القارة وكل في منطقته، فإنهما مدعوتان للاضطلاع بدور رئيسي في عملية التكامل الإفريقي.
يريد بوريطة أن يقول لصناع القرار بجنوب إفريقيا إن المغرب يُدير ديبلوماسيته ليس بمنطق (الأبيض والأسود)، فالمساحات الديبلوماسية واسعة قابلة لأن تتحول العلاقة من خصومة وبرودة إلى صداقة ودفء، وأن تذهب باتجاه صفر أزمات بين الدولتين، وأن تحفظ في ذات الوقت مصالح البلدين الإقليمية والسيادية، وبدون شك يؤمن الفضاء الإفريقي بعلاقاته وتحدياته ومصيره المشترك، فضاء لتذويب الثلوج السميكة التي شكلت حاجزا في العلاقات بين الرباط وبريتوريا.
تدرك ديبلوماسيتنا قبل غيرها أن سياسة اليد الممدودة التي اختارها المغرب عن قناعة ومبدئية، شاقة وتحتاج للصبر والتأني قبل أن تؤتي أكلها على المدى المتوسط، وتعي ديبلوماسيتنا جيدا أن هذا النهج قد لا يلاقي استحسانا لدى بعض الدول من مدمني نظريات المؤامرة، والسادرين في فرض منطق القوة، والذين لا تعجبهم أبداً قوة المنطق كأداة فاعلة وحقيقية في صناعة السلم والقوة. لكن لا سبيل سوى المضي بديبلوماسية عقلانية مع الخصوم قبل الأصدقاء.
ومهما بلغ العداء السافر لجنوب إفريقيا ضد وحدتنا الترابية، فلابد يوما أن يتذكر ساستها حجم الدعم الذي قدمه المغرب بالمال والسلاح لنيلسون مانديلا في كفاحه الطويل ضد نظام الفصل العنصري (الأبارتيد)، ولا بد لسياسة اليد الممدودة التي ينهجها بهدوء ناصر بوريطة أن تحقق اختراقات داخل التيار المتشدد الذي يستحوذ على هياكل الحزب الحاكم في بريتوريا، ففي آخر المطاف ليس هناك من خيار وحيد وأوحد سوى اقتناع المسؤولين بجنوب إفريقيا بأحقية المغرب على أقاليمه الجنوبية وسيادته على أراضيه وبالتالي التوقف عن ترويج العداء المستمر للمغرب في مختلف المحافل الدولية.