الرأي

لا دعاة

ينبغي الاعتراف بأن مساحة الحرية التي تناقش بها أمور الحكم والسياسة وتدبير الشأن العام اليوم في المغرب، ليست في حجم النقاش نفسه الذي يتناول أمور الدين والتدين. فمايزال الحوار في موضوعاته وقضاياه مغلفا بالكثير من الصمت. ليس لأنها لا تحظى بأولوية لدينا، ولكن لأن هذا المجال يختلط فيه العلم ببادئ الرأي، والاجتهاد بالظن. لذلك فهو مجال للأحكام المتسرعة. ومن علامات هذا الوضع غير السوي، أن كثيرين مازالوا يعتقدون أن أي حديث عن مادة التربية الإسلامية في التعليم المدرسي وشعبة الدراسات الإسلامية في الجامعات، هو حديث عن الإسلام وليس مجرد حديث عن مادة دراسية تخضع لسياسة تعليمية مندمجة، أو مجرد شعبة ضمن نظام متكامل للتعليم الجامعي.
من هنا نفهم اعتقاد الكثير من مدرسي هذه المادة في المؤسسات التعليمية، وكذا الكثير من أساتذة الجامعات في هذه الشعبة، بأنهم «دعاة» وليسوا مدرسين. لذلك فهم يدرسون ويقومون بمنطق الشيخ وأتباعه. وكل من سعى لطرح المناهج والمجزوءات المدرسة في هذه المواد والشعب، يواجه دوما بتهمة جاهزة، وهي محاربة الدين، مع أن الدين، أي دين، لم يكن ليسمح بأن يتم منع الحوار وطرح الأسئلة النقدية.
ما دفعنا إلى قول هذا هو المساهمة في تعرية واقع حال كثُرت فيه الممارسات التي يقوم بها بعض المتوارين خلف عباءة المربين، وهذا بمثابة المؤشر على حجم عدوى التطرف التي ابتليت بها مؤسساتنا العمومية، الجامعية والمدرسية خاصة. ظاهرة يساهم فيها مربون مدرسون حولوا حصصهم الدراسية إلى حصص للذكر والدعوة، بدل النهوض بالتعلمات الخاصة بموادهم الدراسية، وإكساب المتعلمين القدرات والكفايات اللازمة لمستقبلهم، وإداريون حولوا كل القاعات الفارغة إلى مساجد تقام فيها الدروس الدينية، والتي يقوم بها متعلمون غالبا، في مواضيع تناقض جميع قيم العقلانية التي تسعى منظومتنا التربوية إلى ترسيخها ثقافة وسلوكا في حياتنا المدرسية، ومن ثمة في مجتمعنا. ممعنين في الدعاية لقيم أخرى بديلة، هي في الطرف الأقصى لمنحى التوجهات الكبرى لمغرب اليوم.
وهذا القول هو مجرد تذكير بواقع حياة مدرسية غير سوية تحولت فيها بعض المؤسسات العمومية إلى ساحة للاستقطاب الإيديولوجي للمتعلمين القاصرين، وبالتالي إلى قاطرة لترسيخ قيم التعصب والتفاعل السلبي بين المتعلمين والمربين. هكذا يصر بعض مربينا «الملتزمين جدا» على فصل الذكور عن الإناث في فصولهم الدراسية، والبعض منهم، تجنبا لحساسيته المفرطة تجاه الفتنة، «فتنة تلميذاته» طبعا، يعملون على إلزام المتعلمات القاصرات منهن والراشدات بارتداء الحجاب. ومن الطبيعي، داخل مناخ الإلزام هذا، أن تلجأ التلميذات والطالبات أنفسهن إلى وضع مناديل في الحقائب الدراسية، حتى تحين حصة «الأخ» المشفق على نفسه من فتنتهن، خوفا من انتقامه. وتزيد من «لا تربوية» هذه المواقف، العروض التي يحرص هؤلاء على تنظيمها سواء داخل الفصل أو حتى في أنشطة المؤسسة، وهي غالبا ما تتناول موضوعات على درجة من التعقيد تحتاج لأبحاث علمية حقيقية تعتمد مناهج متعددة.
لذلك، نتساءل ما معنى أن يُكلف تلميذ في السنة الثانية من الباكلوريا هو في طور التكوين المنهجي والمفاهيمي الأولي، بإلقاء عرض في موضوع «حقوق الإنسان في الإسلام»، ردا على أستاذ الفلسفة الذي تناول معهم في إطار درس الحق؛ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟ وما هي الفائدة التكوينية لعرض كُلف به تلميذ آخر حول موضوع «اليهود في القرآن الكريم»؟ ألن يكون هذا العرض العشوائي مناسبة لإظهار معاداتهم لقيم التسامح والحرية والمواطنة التي تعتبر رهانا لمدرسة اليوم؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى