الرئيسية

لطيفة التازي.. أرملة عمر بن جلون التي ماتت في ذكرى رحيله ودفنت بجوار قبره

بعد مرور 39 سنة على اغتيال زوجها عمر بن جلون، التحقت أرملته لطيفة التازي بالرفيق الأعلى في الشهر نفسه الذي تمت فيه تصفية المناضل الاتحادي. وشاءت الصدف أن يدفن جثمانها في قبر إلى جانب زوجها الراحل، وهو القبر الذي كانت تمني النفس بالإقامة فيه كلما زارت مقبرة «الشهداء» بالدار البيضاء.
عاشت لطيفة أشكال المحن، في سنوات الرصاص، لكنها قبلت تسديد ضريبة الارتباط بزوج معارض للنظام، ملاحق يوميا من طرف المخبرين السريين والعلنيين، ما كبدها أمراضا مزمنة بدءا بضغط الدم وانتهاء بداء السكري.
نجت لطيفة مرات من الاغتيال السياسي، خاصة في ليلة عيد الأضحى من شهر يناير 1973، حين سمعت طرقات قوية على باب منزلهما الكائن بشارع «كامي دي مولان» الذي أصبح لاحقا يحمل اسم شارع «المسيرة الخضراء»، فارتابت من هول المداهمة.
خرجت الزوجة لتستطلع سر الطرق المبرح، فسلم لها رجل بزي مدني طردا بريديا من الورق المقوى، مختوما عليه من طرف وكالة البريد المركزي بالدار البيضاء، موجها في اسم عمر بن جلون الذي كان جالسا داخل البيت.
لاحظ عمر أن الطرد لا يحمل اسم المرسل، وحين تسلمه من زوجته حمله بين يديه بعناية كبيرة إلى درج حديقة البيت محاولا فتحه بمعرفة المهندس الخبير، وعندما اكتشف أن الطرد ملغوم رمى به إلى الحديقة بعد أن أبطل مفعوله. في اليوم ذاته توصل رفيقه محمد اليازغي بطرد مماثل انفجر في وجهه، فمزق أحشاءه وتسبب له في عجز دائم في حاسة سمعه، وفي عاهة مستديمة في أصابع يده اليسرى.
شاركت لطيفة في صناعة العديد من القرارات، فقد كانت أول مستشارة للراحل، بل إنها ناقشت بفكرها النقدي فقرات بيان 30 يوليوز 1972 الذي حدد معالم الإصلاح السياسي والدستوري، ودعا إلى عقد مؤتمر استثنائي لحزب الاتحاد
الاشتراكي للقوات الشعبية.
عانت زوجة عمر من محنة الاعتقالات، وظلت تتردد على مخافر الشرطة لنيل أقوالها وتحرير محاضر متابعة، كما كانت تقطع المسافة الرابطة بين الدار البيضاء والقنيطرة بشكل مستمر، حيث حضرت وقائع محاكمة المتهمين بتدبير وتنفيذ الهجوم على مولاي بوعزة في الثالث من مارس سنة 1973، بالمحكمة العسكرية بالقنيطرة، حيث صدرت أحكام قاسية في حق ثمانين مناضلا من بين 159 متهما، تراوحت ما بين الإعدام والمؤبد وعشرين سنة وعشر سنوات وخمس سنوات وحكم بالحبس لمدة سنتين.
فرحت لطيفة بالإفراج عن زوجها، لكن في أبريل 1974 أعيد بعض ممن صدر حكم البراءة في حقهم إلى السجن المركزي بالقنيطرة، والبعض الآخر إلى سجون أخرى، ومن ضمن من أُعيدوا إلى السجن المركزي بالقنيطرة عمر بن جلون، في حين تم نقل محمد اليازغي إلى الإقامة بإفران، وهو ما اعتبرته التازي امتيازا ومعاملة انتقائية في الأحكام، ومنذ ذلك الحين ظل حبل الود مقطوعا بين عمر وعدد من قيادات الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
زاد الاحتقان بين عمر والبصري واليازغي، وهو ما ظهر جليا أثناء انعقاد المؤتمر الاستثنائي حين عمل هذا الأخير جاهدا على أن لا تقدم للمؤتمر الوثيقة الإيديولوجية التي كان قد هيأها الشهيد عمر بن جلون وساهمت فيها زوجته لطيفة بنصيب وافر، وهي الوثيقة التي كانت تشكل محور اللقاءات التكوينية التي كان يديرها بن جلون بداية 1972. واستفاض المفكر المغربي محمد عابد الجابري في ما نشره بعد ذلك في إطار توضيح ما كان يدبر من «مؤامرات ضد عمر بن جلون وضد الحركة الاتحادية قصد تدجينها وتطويعها لما يخدم مصلحة نظام الحسن الثاني».
ظلت لطيفة منذ اغتيال زوجها في دجنبر سنة 1975، تطارد خيوط التصفية الجسدية، وتطالب بالكشف عن مدبري لا منفذي جريمة القتل التي تعرض لها على مقربة من مقر سكناه على يد أشخاص ملتحين.
في يونيو 1979 انطلقت محاكمة المتهمين، وطيلة هذه المدة تعاقب على التحقيق ثلاثة قضاة، بل إن لطيفة كانت على اتصال يومي بالمحامي وبأصدقاء الراحل، لاسيما بعد اختفاء مجموعة من الوثائق من ملف القضية تتعلق بأحد المتهمين.
انتظرت أرملة الفقيد خمس سنوات لتستمع للأحكام الصادرة في هذه القضية، وتمثلت في الإعدام لمتهمين وهما سعيد أحمد وخراز مصطفى. والمؤبد لعشرة معتقلين منهم القيادي الإسلامي عبد الكريم مطيع.
دعت أرملة الفقيد رفاقه إلى التحرك من جديد واعتبرت ملف عمر مازال مفتوحا، وقالت إن «المحاكمة صورية واقتصرت على المنفذين للمؤامرة دون الرؤوس المدبرة لها».
تعبت أرملة الفقيد من الركض بين الهيئات الحقوقية والقضائية والسياسية، قبل أن تعلن استقالتها من الجري، مانحة المشعل لابنيها «سهام» و«صالح»، لأن صحتها لم تسعفها لمتابعة المسار. لذا قال محمد الصديقي أثناء تأبينها: «من منا لا يذكر كيف كنت تستقبلين المناضلين الاتحاديين في بيتك بكل الحرارة المنبعثة من الأعماق؟ من منَا لا يسجل لك بكل اعتزاز أن الجريمة الشنعاء.. جريمة 18 دجنبر 1975، لم تكن لتثنيك عن الصمود أو تدفع بك إلى النكوص؟ لقد بقيت واقفة شامخة تعطي ما بوسعك العطاء لعائلتك الصغيرة تقدمين في نفس الوقت، النموذج المثالي لشريكة حياة مناضل فذ في شموخ وشهامة الشهيد عمر بن جلون.
واليوم.. ها أنت تأبين إلا أن تلبي نداء رفيقك ورفيقنا لتلتحقي به في نفس هذا الفصل الخريفي الذي غيب عنا فيه، بل وعلى بعد أيام قليلة من ذكرى
رحيله».
شهدت جنازة المرحومة لطيفة التازي حضور عبد الرحمان اليوسفي ومحمد اليازغي، وعدد كبير من الاتحاديين، والمدير العام للإذاعة والتلفزة فيصل العرايشي إلى جانب شخصيات وطنية وأعضاء المقاومة وجيش التحرير، وشخصيات حزبية من الطيف اليساري والتقدمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى