الرأي

لماذا تعهد أوباما بعدم قلب نظام الأسد؟

رش الرئيس الأمريكي باراك أوباما المزيد من الملح على جرح المعارضة السورية وداعميها في المملكة العربية السعودية وتركيا ودول الخليج، عندما أكد في حديث أدلى به إلى محطة تلفزيون BBC البريطانية، أنه سيكون «من الخطأ» إرسال قوات برية إلى سوريا لقلب نظام حكم الرئيس بشار الأسد، وكل ما تستطيعه بلاده هو ممارسة ضغوط على المستوى الدولي على الأطراف الموجودة في الساحة السورية، للجلوس إلى مائدة المفاوضات، وكرر «أن الحل العسكري وحده لن يسمح بحل المشكلات على المدى البعيد في سوريا».
خطورة كلام الرئيس أوباما هذا يأتي من كونه جاء بعد زيارة قام بها إلى الرياض قبل بضعة أيام، وحضر خلالها اجتماع قمة مجلس التعاون الخليجي، واجتمع مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وكان العنوان الأبرز لمحادثاته الملف السوري، والعتب، أو الغضب الخليجي، لعدم تدخل أمريكا عسكريا، وبشكل أقوى في هذا الملف.
لعل الرئيس أوباما من خلال هذا الحديث، الذي أدلى به أثناء توقفه في لندن، في إطار جولته الأوروبية، أراد أن يرد بشكل غير مباشر على الانتقادات الخليجية، واستخفاف العاهل السعودي به عندما تعمد إهانته بعدم استقباله في المطار، أسوة بالقادة الخليجيين الآخرين الذين وصلوا في اليوم نفسه إلى العاصمة السعودية.
الرهان التركي والخليجي على تدخل أمريكا عسكريا في سورية لإطاحة النظام السوري ورئيسه كان في غير محله على الإطلاق، ولو كان الرئيس الأمريكي يملك أي نوايا حقيقية في هذا الصدد، لفعل عندما جرى اتهام هذا النظام باختراق «الخطوط الحمر» واستخدام الأسلحة الكيماوية ضد المعارضة السورية وذلك في سبتمبر عام 2013.
الرئيس أوباما عاقد العزم، ومنذ أن بدأ ولايته الأولى، على عدم التورط عسكريا في الشرق الأوسط، والانجرار إلى حرب فيها، وقال ذلك بكل وضوح في مقابلته الشهيره لمجلة «أتلانتيك» الأمريكية الشهر الماضي، وأكد أن دولا خليجية تريد «ركوبا» مجانيا على ظهر أمريكا، ونصحها بالحوار والتوصل إلى «سلام بارد» مع إيران واقتسام المنطقة.
روسيا قدمت السلم للرئيس أوباما للنزول عن شجرة «خطوطه الحمر» في سوريا، عندما تعهدت بإقناع النظام بالتخلي عن ترسانته من الأسلحة الكيماوية، وامتصاص الغضب الأمريكي، وفعلا جرى تسليم جزئي لهذه الأسلحة، وبقي معظمها في مخازنه، وما تم تسليمه جرى تعويضه بطريقة أو بأخرى.
الرئيس أوباما الذي يريد أن يدخل التاريخ كأول رئيس أمريكي يفوز بجائزة نوبل للسلام، وهو في قمة السلطة، أثبت أنه «أكاديمية» في كسب الوقت، وأستاذ في «المماطلة»، وتجنب اتخاذ قرارات الحرب، إقليمية كانت أو عالمية.
جون كيري وزير خارجية أوباما قالها صراحة، ودون أي مواربة، لناشط سوري استفزه أثناء اجتماع حول سورية، انعقد في لندن قبل ستة اشهر، عندما أكد له أن بلاده، أي أمريكا، لا تفعل شيئا لإنقاذ السوريين من أعمال القتل التي يرتكبها النظام بدعم روسيا، فكان رد الوزير كيري بسؤال آخر «وهل تريدني أن أدخل في حرب عالمية مع روسيا من أجلكم؟».
كلام واضح، ولكن الرسالة التي يراد إيصالها من خلاله إلى المعارضة السورية وداعميها ضاعت في الطريق، أو هكذا نعتقد، وإذا كانت وصلت فعلا، فلم يتم فهمها على الوجه الأكمل، وما انسحاب وفد الهيئة العليا للمفاوضات الممثل للمعارضة السورية ومقرها الرياض، من مفاوضات جنيف بطريقة غاضبة، واستمرارها بوجود وفد النظام بدونها، إلا أحد الأدلة في هذا الصدد، فـ«الحرد» ربما يجدي نفعا مع بعض العرب، ولكن ليس مع أمريكا عموما.
المعارضة تريد، أو تتوقع، من واشنطن إرسال طائراتها القاذفة العملاقة من طراز «ب 52» لقصف العاصمة دمشق على غرار ما فعلت في العراق وليبيا وأفغانستان، وتزويدها بصواريخ مضادة للطائرات، على غرار نظرائها من المجاهدين الافغان في كابول، ولكن يغيب عنها، حتى الآن على الأقل، أن هناك قواعد روسية جوية في سورية مزودة بطائرات حديثة، وصواريخ إس 400 القادرة على إسقاط أي طائرة أمريكية قاذفة كانت أم مقاتلة، إذا أراد حاكم الكرملين ذلك.
لا نعتقد أن قاذفات أمريكية عملاقة ستقصف دمشق في زمن أوباما، الذي لم يبق لديه في السلطة إلا بضعة أشهر، ونستبعد أن يتغير الوضع في حال فوز رئيس أمريكي جمهوري بالرئاسة من بعده، حتى لو كان العنصري المندفع دونالد ترامب، الذي قال إنه يجب على السعودية أن تدفع لأمريكا ثمن حمايتها، فأمريكا تتغير، ولكن العرب والأنظمة بالذات، لا تتغير، وإن تغيرت فإلى الوراء للأسف.
المعارضة السورية لم تتعلم من الدرس الفلسطيني مع الإدارات الأمريكية المختلفة، وأوباما خصوصا، فقد تصور هؤلاء أنه، وبعد حديثه الحازم في خطابه بجامعة القاهرة، عن ضرورة وقف إسرائيل لكل أشكال الاستيطان والقبول بحل الدولتين، سيرسل حاملات الطائرات الأمريكية إلى شواطيء حيفا ويافا وعكا وتل أبيب المحتلة، وها هو يوشك على مغادرة البيت الأبيض، تماما مثلما غادره سلفه جورج بوش الابن الذي تعهد بقيام دولة فلسطينية قبل نهاية ولايته الأولى ثم الثانية، أي دون فعل أي شيء، غير كسب الوقت والضحك على الذقون، ذقون العرب طبعا.
أوباما اعتقد أن الجيش العربي السوري سينهار، والرئيس الأسد سيهرب إلى موسكو، أو روسيا البيضاء، أو إيران، على أول طائرة، ولكن هذا لم يحدث، وزاد التدخل العسكري الروسي من أزمته، فرفع الراية البيضاء، إيثارا للسلامة، وتجنبا لخوض حروب الآخرين.
عندما يقول الرئيس أوباما أن أكبر خطأ ارتكبه في حياته هو التدخل العسكري في ليبيا، فماذا يعني هذا؟
هذا رجل قرر منذ اليوم الأول أن لا يكرر خطأ سلفه بوش، فهل نتوقع أن يكرر ما قال أنه أكبر أخطائه في ليبيا، وما زال يندم عليه، في سورية؟
الإجابة مكتوبة على الحائط… أي حائط تختارونه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى