الرأي

لماذا رحبت السعودية بالوساطة الروسية بين دول الخليج وإيران؟

لا تسعى الدول الخليجية هذه الأيام إلى “تنويع مصادر دخلها، بسبب التراجع الكبير في أسعار النفط، وانكماش عوائده فقط، وإنما أيضا إلى تنويع الحلفاء في ظل “عقوق” الحليف الأمريكي الذي فضل رفع الحماية عنها، والذهاب إلى طهران، كحليف مستقبلي.
الاجتماع الرابع للحوار الاستراتيجي بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي الذي انعقد على مستوى وزراء الخارجية في موسكو اليوم يأتي تطبيقا للتحول الاستراتيجي الخليجي الجديد، فهناك شراكة في ميادين النفط وإنتاجه وتصديره، وأرضية للتعاون في مجالات الاستثمار، والتسليح، والشؤون السياسية المشتركة ايضا، وفي الملف السوري خاصة.
نقطة الخلاف الرئيسية في الاجتماع كانت محصورة بين الجانبين الروسي والسعودي في الملف السوري، ومستقبل الرئيس بشار الأسد، فالسيد عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، ما زال متمسكا بضرورة رحيل الرئيس الأسد فور بدء العملية الانتقالية، فيما لا زال نظيره الروسي متصلبا في رأيه بأن هذه المسألة شأن داخلي سوري، ومن حق الشعب السوري وحده أن يبت فيها.
موقف السيد الجبير هذا ينطوي على تناقض كبير، ففي الوقت الذي يشتكي فيه من تدخل إيران في شؤون دول عربية وخليجية أخرى، ويطالب موسكو بتأييد هذا الموقف، ينسى في غمرة انشغاله في الملف السوري أن بلاده تفعل الشيء نفسه في سورية واليمن والعراق وليبيا، ويبدو أنه وحكومته ينسيان هذه الحقيقة، ويحتاجان إلى من يذكرهما بها بين الحين والآخر.
والغريب أن هذا الموقف السعودي حول مصير الرئيس السوري تجاوزته الأحداث والتطورات الجارية حاليا على الصعد كافة في سورية، سواء السياسية منها أو العسكرية، فالعملية السياسية التي من المفترض أن تؤسس للمرحلة الانتقالية، وتؤطر الحل السياسي للازمة السورية “مجمدة”، أو اسيرة غرفة العناية المركزة، والمشهد العسكري يشهد حاليا هجومين ضد “الدولة الاسلامية”، الأول تنفذه قوات الجيش العراقي، مدعومة بـ”الحشد الشعبي”، وبهدف استعادة الفلوجة تمهيدا للانفضاض على الموصل، والثاني تقوده قوات الجيش الديمقراطي السوري الكردية، لإخراج هذه “الدولة” من عاصمتها في الرقة، ولا علاقة لدول الخليج في هذين الهجومين، لا من قريب أو من بعيد، غير البكاء على أطلال هاتين المدينتين إعلاميا، وإفساح المجال على شاشاتها لبعض الفتاوى وشيوخها لذرف الدموع.
التطور الأحدث واللافت الذي يمكن استخلاصه من ثنايا لقاءات موسكو، وهو استجابة الوزير لافروف للإيحاءات الخليجية بالقيام بدور وساطة لحل الخلافات مع إيران، فالسيد الجبير وبعد أن عبر عن القلق من تدخل إيران في شؤون دول المنطقة، أكد “ترحيب دول الخليج بسعي موسكو لدعم تطبيع العلاقات الإيرانية الخليجية”.
الطرف الروسي هو الأكثر تأهيلا لفتح قناة حوار بين طهران والعواصم الخليجية الأخرى، والرياض على وجه الخصوص، بسبب علاقاته التحالفية القوية مع طهران، وإذا اقدمت الدبلوماسية الروسية على رعاية مثل هذا الحوار، في السر أو العلن، فإنها تحقق بذلك اختراقا كبيرا في معظم ملفات المنطقة الملتهبة، ومن بينها الملف السوري.
الرغبة السعودية في الحوار مع طهران لم تنعكس في استعداد لافروف للمساعدة في تجاوز الخلاف بين دول الخليج وإيران فقط، وإنما في المرونة التي طرأت على الموقف السعودي في الأيام والأسابيع الأخيرة التي تصب في هذا الاتجاه، فمن تابع الانفراج الكبير في قضية الحجاج الإيرانيين، وتوصل السعودية إلى اتفاق مع السلطات الإيرانية ينهي مقاطعتها وحجاجها لموسم الحج، بفضل تخلي السعودية عن شروطها في هذا الإطار، ومن بينها حصول الحجاج الإيرانيين على تأشيرات الحج من دولة ثالثة، يدرك التوجه السعودي الإيجابي لتوسيع قنوات الحوار مع إيران.
السيد الجبير قال إن أكثر ما يزعج بلاده هو عدم احترام إيران مبدأ حسن الجوار، ومن المؤكد أن موسكو، لما لها من علاقات طيبة معها، أي إيران، ربما تعمل على تغيير الموقف الإيراني في هذا الصدد، أو هكذا نعتقد.
نتوقع أن تتحول إيران قريبا إلى دولة جارة تحظى بالاحترام في نظر السيد الجبير وحكومته، وأن تنتقل من خانة الأعداء إلى الأصدقاء، تماما مثلما حدث مع الحوثيين، الذين كانوا قبل بدء الحوار اليمني في الكويت رافضة ومجوسا وعملاء للفرس، يجب القضاء عليهم واجتثاثهم ولا حوار معهم، وليس أمامهم إلا الاستسلام دون شروط، والأيام بيننا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى