شوف تشوف

شوف تشوف

لماذا نحن شعب تعيس؟

قبل يومين احتفل العالم باليوم الأممي للسعادة، وبالمناسبة صدر الترتيب الأخير الذي يصنف الشعوب حسب درجة إحساسها بالسعادة أو التعاسة، ومن ضمن 155 دولة حل المغرب في الرتبة 84 عالمياً، وتعتمد الشبكة التابعة للأمم المتحدة في ترتيبها للدول على 38 مؤشراً من بينها الوضع السياسي ومستوى الفساد في المجتمع والتعليم والصحة والأجور وقدرة الأفراد على تقرير مستقبلهم.
هذا الترتيب يدفعنا إلى طرح سؤال أساسي، وهو ما هي السعادة بالنسبة إلى المغاربة، ولماذا نحن تعساء ؟
حسب دراسة أنجزتها شركة لاستطلاع الرأي لفائدة شركة تأمينات فحوالي 96 بالمائة من المغاربة يعتبرون «الصحة والسلامة وستر مولانا» السبب الرئيسي لسعادتهم.
وفي المراتب التالية يأتي الاستقرار والثروة والسلطة، ثم بقية المحددات الأخرى التي يعتبرها المغربي ثانوية بالنسبة إليه.
هذا يعني أن الشغل الشاغل للمغاربة هو الصحة، فهم يعرفون أن الصحة عندما تخونك في المغرب فإنك تصبح مجرد زبون تتاجر في مصيرك المصحات وباعة الأدوية ومحترفو التحاليل وشركات التأمين.
وربما ليس صدفة أن يحتل المغرب المراتب المتأخرة ضمن مؤشر السعادة العالمي، فنحن، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، نتوفر في بلادنا على جميع أسباب التعاسة التي حصرتها «شبكة حلول التنمية المستدامة» في دراستها التي رسمت على ضوء نتائجها خريطة السعادة في العالم.
فمن بين أسباب التعاسة نجد «ارتفاع تكاليف المعيشة والبطالة والرواتب المتدنية وسوء الصحة وعدم الشعور بالسعادة في الحياة الزوجية وعدم الشعور بالرضا عن المظهر الخارجي، وافتقاد الأصدقاء وعدم الاستقرار العام والخوف من المستقبل».
وقد يعتقد البعض أن الطبقات العاملة أو المتوسطة أو المسحوقة في المغرب هي وحدها المعنية بهذا الشعور الفادح بالتعاسة، وأن طبقة «المرفحين» و«الألبة» لا تشملها هذه التعاسة، وهذا خطأ شائع.
فإذا كانت الطبقات الشعبية في المغرب، أو ما يسميه أبناء العائلات الكريمة في نواديهم المغلقة وصالوناتهم المخملية بـ«لابوبيلاص»، تشعر بالتعاسة بسبب بطالة أبنائها أو بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة وسوء الخدمات الصحية، فإن طبقة «الألبة» لديها أيضا نصيبها من التعاسة، خصوصا بسبب عدم الرضا عن المظهر الخارجي وافتقاد الأصدقاء والخوف من المستقبل، الذي بسببه تم تهريب كل هذه المليارات إلى الخارج قبل استعادة جزء منها تحت التهديد.
أما ما تشترك فيه جميع الطبقات على اختلاف مستوياتها الاجتماعية بالمغرب فهو الخوف من المستقبل. الطبقة المتوسطة وموظفوها وعمالها وفقراؤها يخافون أن يفاقم المستقبل من أزمتهم، والأغنياء يخافون أن يجدوا أنفسهم في المستقبل مضطرين للتخلي عن امتيازاتهم ونمط عيشهم المرفه.
مع فارق بسيط هو أن الأغنياء في المغرب يستعدون للمستقبل بتعليم أبنائهم في الخارج والبحث لهم ولأنفسهم عن جنسيات أجنبية استعدادا لترك السفينة في الوقت المناسب، أما البقية فتستعد للمستقبل بإغراق نفسها في المزيد من القروض، وقد استطاع رئيس الحكومة أن يقترض في ظرف عامين ما اقترضته جميع الحكومات السابقة، فكأنما يسابق الزمن لكي يغرق لنا «الشقف» في أسرع وقت ممكن.
ولعل ما غاب عن أصحاب التقرير الخاص بالسعادة الذي يصنف المغاربة بين التعساء، هو أن أكبر سبب لتعاستهم هو أنه بين كل أربعة مغاربة هناك ثلاثة لديهم قروض يؤدون أقساطها كل شهر من رواتبهم، أي أن هؤلاء يشتغلون عند البنوك وشركات القروض الصغرى طيلة حياتهم، وربما يورثون ديونهم لأنبائهم من بعدهم.
أما أحد أكبر أسباب تعاسة المغاربة فهو أننا شعب معقد، عندما نسكر نبكي وعندما نعرس نتشاجر وعندما نحزن ننفجر من الضحك بحجة أن الهم إذا كثر يدفع إلى الضحك. هناك من يعتقد أننا شعب مجنون.
وهذا بالضبط ما لا يفهمه الآخرون في المغرب والمغاربة، فكل المتناقضات مجتمعه ومتعايشة فينا، إذا ذهبت إلى المستشفيات وجدتها ممتلئة ويخيل إليك أن جميع المغاربة مرضى، وإذا ذهبت إلى السجن لن تجد شبرا تنام فيه من شدة الزحام، وإذا ذهبت إلى الأسواق الممتازة تعتقد أن المجاعة ستحل غدا وأن الناس يتسابقون على شراء أي شيء تقع عليه أعينهم، وإذا ذهبت إلى المطاعم الفاخرة وجدت كل الموائد محجوزة سلفا، وإذا ذهبت إلى أحياء الصفيح تتصور أن المغاربة كلهم فقراء، وإذا ذهبت إلى المقابر يخيل إليك أن القوم ماتوا عن آخرهم، فحتى في المقابر يتزاحمون ويتسابقون على الأماكن.
عندما تحل ذكرى أعياد المسيحية تجد صفوفا طويلة أمام محلات بيع الحلوى والهدايا، وعندما تحل ذكرى المولد النبوي يتزاحم الناس في الأسواق لشراء التمر والزبيب واللوز والجوز فيما يذهب الآخرون إلى الزوايا والمساجد لإحياء الذكرى، وعندما تحل ليلة عاشوراء ذكرى مقتل الحسين ويشرع الشيعة في سلخ ظهورهم بالسلاسل التي تنتهي بشفرات حادة نخرج نحن إلى الشوارع لكي نرش بعضنا البعض بالماء ونوزع التين المجفف في المقابر ونضرم الحرائق في الساحات وتحرق النساء البخور في المجامر دفعا للعين والحسد أو جلبا للعرسان والمال.
نحن شعب يحب الشراب كثيرا، أكثر من شعوب عربية وإسلامية كثيرة، ومع ذلك لن تستطيع أن تجد حيا بدون مسجد ومصلين، وطبعا داخل كل مسجد يمكن أن تقرأ تحذيرات في كل مكان تذكرك بضرورة وضع حذائك أمامك، إذا كنت لا تريد أن تعود إلى بيتك حافي القدمين.
وفي رمضان عندما تغلق البارات والخمارات والكباريهات أبوابها يتحول السكارى إلى مؤمنين ورعين ويتسابقون على الصفوف الأمامية للصلاة خلف القزابري والكوشي والكرعاني، تراهم خاشعين، سكارى وما هم، بانتظار أن يخرج رمضان لكي يعود أغلبهم إلى كراسيهم وكؤوسهم المعهودة.
من يجرؤ إذن على الادعاء أنه يفهم ما يدور في رؤوس المغاربة ؟
ونحن المغاربة عموما، لدينا ميل فطري نحو التملص من تحمل المسؤولية، فالآخرون دائما هم السبب، أما نحن فمجرد ضحايا أبرياء، أو هدايا من السماء لهذا الشعب، كما قال بنكيران عن حزبه المختار.
ومن يتأمل خطابنا اللغوي اليومي، خصوصا في ما يتعلق بتبرير المواقف المحرجة، يستخلص أننا أفضل من يطبق مقولة سارتر «الجحيم هو الآخر».
وفي اعتقاد المغربي فالدولة هي دائما سبب المشكل. إذا سقطت عمارة بسبب مهندس غشاش ومنعش عقاري جشع فبسبب الدولة، وإذا هجم الناموس على الناس في بيوتهم خلال الصيف فبسبب الدولة، وكأن تلك المجالس البلدية والجماعات القروية التي ذهب المواطنون إلى صناديق الاقتراع وصوتوا على أعضائها بأنفسهم لا تتحمل نصيبها من المسؤولية.
نعم الدولة تتحمل مسؤولية ما يحدث، لكن الشعب بدوره يتحمل مسؤولية ما يحدث له. يتحمل المسؤولية بصمته عن الجرائم التي تحدث باسمه، ويتحمل المسؤولية بتواطئه مع اللصوص الذين يسرقون جيوبه، ويتحمل المسؤولية بجبنه وخوفه من الجهر بما يضره.
إذا كان هناك لصوص في البرلمان فلأن الشعب أوصلهم إلى هناك، وإذا كان هناك زعماء أبديون جشعون على رأس النقابات فلأن العمال اختاروا حملهم فوق أكتافهم إلى الأبد، وإذا كان هناك ممثلون لصوص في المجالس البلدية يدافعون عن مصالحهم أكثر مما يدافعون عن مصالح المقاطعات التي يمثلونها فلأن المواطنين راضون بذلك وسعداء، ويكفيهم أن ممثلهم في المجلس البلدي ينظر إليهم ذات يوم وهو مار في سيارته ويتذكرهم ويلقي عليهم السلام.
إننا نحن من نصنع تعاستنا بأيدينا، وبعد ذلك نبحث لكي نلصق بالآخرين جميع مشاكلنا وكوارثنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى