الرأي

لماذا يعود سد النهضة إلى مجلس الأمن

سامح راشد

«ليس لدى مجلس الأمن الكثير الذي يمكنه القيام به، بخلاف جمع الأطراف معا للتعبير عن مخاوفهم، ثم تشجيعهم على العودة إلى المفاوضات للوصول إلى حل»… هذا ما ذكره رئيس مجلس الأمن لشهر يوليوز الجاري، الفرنسي نيكولا دو ريفيير، يوم الجمعة الماضي، في معرض تعليقه على طلب مصر والسودان تدخل مجلس الأمن في أزمة سد النهضة.
بالتأكيد، تطمع مصر والسودان في أكثر من ذلك الدور الشكلي لمجلس الأمن. بل ذهبت القاهرة إلى حد اعتبار عرض الأزمة على المجلس، خطوة أخيرة في المسار السياسي. وهو ما بدا واضحا من تلويح وزير الخارجية المصري، سامح شكري، بأنه «إذا لم تلتزم إثيوبيا بما سيصدر عن مجلس الأمن، فستكون مصر والسودان استنفدتا جميع الوسائل المتاحة في الإطار السياسي». ويعني هذا، بوضوح وبشكل قاطع، مراهنة مصر والسودان على المجلس في إنهاء هذه الأزمة، أو بالأحرى استدراك الموقف قبل الوصول إلى نهاية الطريق السياسي. وإذ جاء تصريح نيكولا دو ريفيير، في أعقاب الخطابين، المصري والسوداني، إلى المجلس بشأن الأزمة، وبعد تهديد شكري، فإن كلامه يعد ردا على تصريح الوزير المصري. وذهب رئيس المجلس، المندوب الفرنسي، في تأكيد محدودية دور المجلس، إلى حد القول: «لا أعتقد أن في وسع المجلس أن يفعل أكثر من ذلك»، في إعادة لتأكيد تدني سقف المأمول من مجلس الأمن. كما لو كان يقول للوزير شكري: لا تتوقعوا شيئا منا.
قد يتساءل بعضهم: ما أسباب تقاعس مجلس الأمن، وهو الجهاز المعني باستقرار السلم والأمن الدولي في الأمم المتحدة؟ الإجابة بسيطة: أن أعضاء المجلس لا يرون في أزمة سد النهضة الإثيوبي تهديدا للسلم والأمن، لا الدولي ولا حتى الإقليمي. بدليل أن ريفيير قال بفجاجة: «قضية السد تخص الأطراف الثلاثة». وهذا ليس موقفه الشخصي، وإنما هو لسان حال دولته فرنسا التي تملك الفيتو، إضافة إلى الصين التي تشارك في بناء جسم السد، والولايات المتحدة التي لا يشغلها السد، وإنما مأساة تيغراي في إثيوبيا، وروسيا التي قال وزير خارجيتها إن الأزمة تحل بالتفاوض! أي أن أربعا من الدول الخمس صاحبة الفيتو لن تؤيد مطالب مصر والسودان.
لماذا إذاً ذهبت مصر والسودان إلى المجلس؟ أو بالأصح، لماذا عادتا إلى المجلس، بعدما لجأت مصر إلى مجلس الأمن قبل عام (يونيو 2020). وكل ما حصلت عليه بيان من مجلس الأمن يؤيد المفاوضات الجارية بين أطراف الأزمة الثلاثة، تحت رعاية الاتحاد الإفريقي.
وليس أدل على إدراك القاهرة عدم جدوى الرهان على مجلس الأمن من العودة بالفعل إلى الإطار الإفريقي، خصوصا أن تلك المحاولة جرت في ظل رئاسة ترامب للولايات المتحدة، بعد أشهر قليلة من إخفاق واشنطن في رعاية التوصل إلى اتفاق صاغته إدارة ترامب بالفعل، غير أن إثيوبيا تهربت من التوقيع عليه. فإذا لم يكن لمجلس الأمن دور مؤثر أو تحرك عملي أو حتى موقف واضح في ذلك الوضع قبل عام، فكيف تعود مصر والسودان إلى التعويل عليه الآن؟ هذا يعني انسداد كل الطرق أمام الدولتين، ولم تعد أمامهما أي سبل سياسية جديدة. وفي هذا معنى آخر شديد الخطورة، أن السبل الأخرى غير السياسية إما مغلقة أو مستبعدة، وإلا لما سلكت الدولتان مجددا طرقا ثبت فشلها سابقا، إلا إذا كانت القاهرة تبرئ ذمتها أمام العالم قبل الإقدام على خطوة ما، تبدو هي الحل الوحيد لتجنب العطش.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى