شوف تشوف

مآزق الديمقراطية 2.2

 

 

من مخاطر الديمقراطية أن يخرج لك من صناديق الاقتراع شخص مثل البرلماني حواص صاحب 17 مليارا الذي كان يبيع الخضر بالتبراح في سوق الجملة، مع الاحترام لهذه المهنة، فأصبح برلمانيا ورئيس جماعة يتصرف في الميزانيات ويطرح الأسئلة على الحكومة في البرلمان فيما هو في الواقع مجرد «جقار».

لذلك يطرح فلاسفة ومفكرون اليوم سؤالا عميقا حول صلاحية الديمقراطية كأرقى ما وصل إليه الفكر الإنساني في المجال السياسي، أي بعبارة أخرى هل تصلح الديمقراطية لكل الشعوب؟

والواقع أن الديمقراطية لكي تتحقق في مجتمع ما يجب أن تتوفر لها شروطها، وأحد أهم الشروط هو الوعي، لذلك لا يمكن بتاتا الحديث عن الديمقراطية في ظل وجود آفتين فتاكتين في المجتمع هما الأمية والفقر، ووجود هذين الفيروسين اللذين يتسببان في فقدان الوعي يشوش على نتائج صناديق الاقتراع ويجعلها فاقدة لكل مصداقية.

الْيَوْمَ يجمع الكل على أن النموذج السياسي الحالي وصل مرحلة الإفلاس، فنحن لدينا وزراء يتظاهرون في الشارع ووزراء يطالبون الشعب بالتوقف عن مقاطعة منتوج تجاري ووزراء يسخرون من المواطنين ويعتبرون أنفسهم أكثر أهمية منهم رغم أن رواتبهم تصرف من ضرائبهم. لدينا حكومة تنتج الكلام والشعارات والوعود الفارغة، لكن ليس لدينا حكومة تنتج نسبة النمو، التي هي وظيفة الحكومات في كل بلدان العالم.

والجميع متفق أن الحياة السياسية تعاني من أزمة صامتة في ظل احتقان اجتماعي متصاعد، الجميع يطرح تساؤلات حول العرض السياسي الأنجع للخروج من قاعة الانتظار الكبيرة التي وضعتنا فيها حكومتا عبد الإله بنكيران وسعد الدين العثماني.

ويوما بعد يوم تتعزز القناعات بأن الوقت بدأ يداهمنا، بل ويتجاوزنا، في ظل عدم توافر إرادة لدى الحكومة في تقديم عروض سياسية وبدائل اجتماعية من شأنها تخفيف حدة الاحتقان. ما يحدث هو العكس تماما، فقد تحولت الحكومة إلى مصدر لإنتاج المشاكل التي تزيد من تعقيد الأوضاع والزج بالسلطات الأمنية في متاهات غير مسؤولة عنها.

لذلك، لا مفر اليوم من فرض حلول سياسية ودستورية جذرية لتجاوز مرحلة «الاحتباس السياسي»، فقد أصبحت الحاجة ماسة لعملية جراحية مستعجلة لاستئصال الكثير من الأورام السياسية التي تنهك الجسم السياسي وتفقده مناعته.

ومن هذا المنطلق، تظهر أولوية إنهاء فترة صلاحية حكومة العثماني بأي طريقة من الطرق الدستورية المتاحة، سواء بالإطاحة بها عن طريق ملتمس الرقابة، أو أن يتحمل رئيس الحكومة مسؤوليته ويقدم بمبادرة منه استقالته للملك، أو أن يتم اللجوء إلى الفصل 96 وغيره من بنود الدستور لإسدال الستار على هذا السيناريو الحكومي الذي لم يعد يقنع أحدا.

لكن ماذا بعد إسقاط الحكومة؟

طبعا سنكون أمام ندرة كبيرة في الخيارات المتوفرة، لكن الأهم هو الخروج من المنطقة الرمادية التي يعيشها المغرب منذ 2011، ولن يتم ذلك إلا بتشكيل حكومة إنقاذ مهمتها تدبير مرحلة انتقالية وتقديم عرض اجتماعي قوي له مفعول مباشر وملموس وآني على حياة المغاربة للتخفيف من آثار الأزمة الاجتماعية، التى تُشهر أنيابها جراء ارتفاع تكلفة المعيشة واتساع رقعة الفقر والهشاشة والإقصاء.

وبكل وضوح نقولها، لم يعد أمامنا من خيارات للخروج من الوضع الراهن إلا بتكوين «حكومة كفاءات» بدفتر تحملات واضح ودقيق عوض الحكومة المتحزّبة التي أثبتت فشلها بعد مرور سبع سنوات من اعتماد المغاربة لدستور صوتوا عليه لتحسين أوضاعهم.

من المؤكد أن هذا الخيار سيثير حفيظة الدستورانيين الظاهريين والحزبيين الشعبويين، وسيثير الكثير من اللغط حول احترام هاته الشكلية أو تلك، وسيحول الآلاف من المغاربة إلى خبراء دستوريين، لكن الدساتير توضع لتحقيق أهداف ومقاصد وغايات كبرى، والحكومات والبرلمانات المنتخبة بشكل مشكوك فيه ماهي إلا وسائل لتحقيق تلك الغايات، وبالتالي لا يمكن المغامرة بأهداف استراتيجية للحفاظ على أدوات مزيفة.

فالمغاربة سئموا من حكومات وبرلمانات تبيعهم الوهم بخطاب بعيد عن مطالبهم حتى أصبحوا يصدقون أي دجال، وهم محتاجون لحكومة جديدة مسلحة بخطة عمل مدروسة لتطبيقها على أرض الواقع في حيز زمني مضبوط وبأولويات شعبية تخدم المواطنين، أبرزها تحسين المداخيل والرفع من الأجور وتقديم رؤوس الفساد إلى المحاكمة وتقليص رقع ريع الوزراء والبرلمانيين ومدراء المؤسسات العمومية، ومحاربة ارتفاع الأسعار والمضاربات، وتسريع إقامة المؤسسات الدستورية التي تلعب دور الوساطة أثناء الأزمات، وإيجاد حل جذري لشبح العطش والبطالة والجهل.

البلد بحاجة إلى حكومة انتقالية بوجوه غير مستهلكة تكون مهمتها الأساسية إنقاذ البلد ومنح السياسيين فرصة للإعداد للانتخابات التشريعية المقبلة في مهلة لا تتعدى سنتين، حتى تتمكن الأحزاب المنهكة من استعادة عافيتها وإعادة النظر في حساباتها وتنظيف بيتها الداخلي.

علينا ألا ننخدع بالتصريح المفرط في التفاؤل لرئيس الحكومة، الذي لم يجد من جواب يقدمه للمطالب الشعبية بعرض سياسي واجتماعي، سوى اللجوء إلى قراءة الطالع عندما قال إن الأمور سوف تتحسن خلال تسعة أشهر.

فرئيس الحكومة ليس «قابلة» والأمر لا يتعلق بحمل بل بمستقبل بلد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى