شوف تشوف

ثقافة وفن

محمد اليابوري..مات دون أن يتحقق حلم الحصول على كرسي كهربائي متحرك

الأخبار

عانى الممثل الكوميدي محمد اليابوري طويلا مع المرض والإهمال، تعايش على امتداد 15 سنة مع الآلام، وظل يعاني من تحالف الفقر والتهميش من طرف المسؤولين والساهرين على الشأن الفني والثقافي في المغرب.
في عام 1996، بدأت أعراض المرض تظهر على الفنان اليابوري الذي بدأ يعتذر عن المشاركة في بعض المسرحيات الهزلية، خاصة وأنه كان من العناصر الأساسية في فرقة عبد الرحيم التونسي المعروف بلقب عبد الرؤوف.
اعتقد اليابوري أن مرض الروماتيزم يتربص به، وحين عرض نفسه على طبيب مختص كشف له عن إصابته بالفتق، عاد الرجل إلى بيته بحي سباتة درب قصر البحر يحجر أذيال الخيبة وهو يتصفح وصفة دواء بدا عاجزا عن اقتنائها لاسيما في عز بطالته الناتجة عن مرض حال بينه وبين التمثيل.
اضطر للخضوع لعمليتين جراحيتين الأولى من أجل وقف الآم داء الفتق، والثانية لتصحيح النظر بعد أن تعرضت عيناه لغشاء حجب عنه الرؤية، تحمل أشقاؤه نفقات العمليتين الجراحيتين، وما أن تماثل للشفاء حتى عاوده المرض من جديد وأصبح يتردد على المصحات الخصوصية والمستشفيات العمومية بعد أن أعلن لظروف صحية قاهرة القطيعة مع التمثيل والفكاهة خاصة وأن الأحزان سيطرت على الأفراح.

اكتتاب من أجل عملية
يحكي الفنان اليابوري جزءا من معاناته في منتدى الفنان حفيظ الخطيب الذي سلط فيه الضوء على محنة كثير من الفنانين: «ذات يوم اتصل بي الممثل عمر شنبوط وأشعرني بضرورة الاتصال بالصحافية نسيمة الحر، قصد عرض مأساتي في برنامج «بصراحة» على القناة الثانية، وحين التقيتها عرضت علي الاتصال بطبيب مختص في الجهاز العصبي بعد أن لاحظت أنني أعيش شبه شلل نصفي، استقبلني الطبيب وأخضعني لفحص مغناطيسي الذي أكد على ضرورة إجراء عملية جراحية ثالثة على مستوى الجهاز العصبي».
حاول البحث عن مساعدات مالية لتسديد نفقات العلاج لكنه عجز عن تدبير الأمر، فلجأ للمحسنين ولأشقائه الذين قاموا باكتتاب من أجل إجراء عملية باتت ضرورية بعد أن أصيب بشلل ونصفي وأصبح يجد صعوبة في النطق.
على الرغم من خضوعه للجراحة إلا أن الوضع لم يزد إلا تدهورا، ما جعله عاجزا عن المشي، حيث كان يعتمد على أبناء الحي لمرافقته إلى المقهى، لذا التمس من القائمين على الشأن الفني تمكينه من كرسي كهربائي متحرك يساعده على الخروج من البيت، لكن نداءاته لم تجد صداها.
نصحه بعض الفنانين الذين ترددوا عليه بالبحث عن بدائل أخرى للعلاج، واقترحوا عليه قضاء فترة نقاهة في كل من حامة مولاي يعقوب أو صحراء مرزوكة، إلا أن وضعه الصحي تدهور بشكل ملفت في عام 2011، ما دفعه إلى كتابة ملتمسات لوزارة الثقافة دون أن يجد آذانا صاغية، فيما ظل رفاق دربه يترددون على بيته بين الفينة والأخرى لمواساته من بينهم الصعري والنفالي وبن موسى وشنبوط وحراكة وبرادي الذين أجمعوا على تأخير علاجه إلى أن تفاقم وضعه الصحي لاسيما وأنه كان عاطلا بلا مورد رزق، إلى أن لفظ أنفاسه عام 2012، وسط حالة استياء عارمة حتى جنازته غابت عنها الوجوه الفنية التي رافقته في مشواره.

فنانون قست عليهم الحياة
بالعودة إلى مسار اليابوري فإنه هناك شبه إجماع على أن الرجل الذي أضحك المغاربة وانتزع الابتسامة منهم، كان قدره أن يعيش تعيسا يداري وحدة وقساوة الجحود. لكن بالمقابل هناك إجماع على قدرة الرجل على ارتجال أدواره وامتلاك سرعة البديهة.
يقول الفنان عبد الرحمن برادي الذي واكب تجربة الفقيد في مسرحيات عديدة: «بدأت علاقة اليابوري بالفن الكوميدي مبكرا، في بداية السبعينات، أجاد تقديم أدوار الرجل السوسي لأنه من أصول سوية وتحديدا من منطقة أولاد برجيل، تألق بشكل كبير في الأعمال الكوميدية لعبد الرؤوف، لكن ما يميزه عن باقي الفنانين هي قدرته على ارتجال وتجاوز النصوص وانتزاع الابتسامة من الجمهور. لكن قدره شاء أن يعيش في نهاية حياته مأساة حقيقية لا نتمناها لأي فنان».
يتذكر الفنان حفيظ الخطيب، الذي كان يرصد الواقع المحزن لكثير من الفنانين الذين قست عليهم الحياة، معاناة اليابوري فيقول: «لقد كتب لي أن أشتغل معه ضمن فرقة عبد الرؤوف، ولمست عن قرب قدراته الفنية الخارقة، لكن بالمقابل كان رحمه الله لا يهتم بمستقبله الفني، لقد كان محبوبا من الأسرة الملكية، أذكر أننا دعينا يوما من طرف الأمير مولاي عبد الله لقصره في حي السويسي بالرباط، كان ذلك عام 1992 والمناسبة الاحتفال بعيد ميلاد المولى إسماعيل، قدمنا العرض الكوميدي الأول فنال استحسان الأمراء ولكن المسؤول عن التنظيم أخبر عبد الرؤوف برغبة الحاضرين في الاستمتاع بمسرحية «مطعم الناس»، ولأن «الشلح» كان غائبا حينها فقد طلب مني عبد الرؤوف تقمص دور اليابوري، وأشعرنا المنظمون بهذا القرار لكننا فوجئنا بأن الأمير كان يريد أن يشاهد المسرحية كما شاهدها أي بوجود الفنان السوسي فتم إلغاء عرضها، وهذا يبين نجاح المسرحية من جهة ومكانة اليابوري».
لقد فقدت الساحة الفنية وجها من وجوه الكوميديا الارتجالية، لكن المشكل لا يكمن في رحيل الفنان اليابوري لأن الموت قضاء وقدر، ولكن في مأساة الرحيل التي خدشت صورة الفنان وعرت واقع رجال عاشوا بدون تغطية اجتماعية، قضوا حياتهم في إضحاك الناس لينتهي بهم الأمر في الغم والهم والآهات.
فالرجل الذي قدم العديد من الأعمال الفنية الكوميدية بسخاء، وأسعد مغاربة المهجر في أكثر من جولة فنية بأوربا، وساهم في التخفيف عن الجنود المغاربة في الجنوب مباشرة بعد استرجاع الصحراء، وجد نفسه في آخر أيامه تحت خط الفقر إلى أن رحل إلى دار البقاء عاجزا عن الحركة والكلام، بعد أن ظل ينتظر كرسيا متحركا دون جدوى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى