شوف تشوف

الرئيسية

محمد باهي.. المستشار الإعلامي لليوسفي الذي قتلته حرب المواقع

تعددت الروايات حول أسباب وفاة محمد باهي، الصحفي الذي ارتبط طويلا بجريدة «المحرر» قبل أن تغير جلدها، لكن المقربين من دائرة القرار في الحزب والصحيفة، يؤكدون أن الوفاة لها علاقة بأزمته المهنية مع رفاق الدرب.
قال إدريس الخوري، في إحدى خرجاته الإعلامية، إن «خلافات محمد باهي مع بعض القياديين في الاتحاد الاشتراكي، وبعض صحافيي جريدة الحزب الذين رفضوا تعيينه على رأس الجريدة، فألمت به أزمة كانت السبب في وفاته».
وأضاف أن اصطداما حصل داخل المؤسسة الإعلامية، بمجرد أن علم صحافيان بمجيء محمد باهي للإشراف على جريدة «الاتحاد الاشتراكي»، «حز في نفس باهي السلوك العدواني لهذين الشخصين إزاءه، وانعكس عليه ذلك صحيا، لأنه كان مريضا بالقلب، فلم يتحمل الإساءة وتوفي وفي قلبه شيء منهما».
لقد عاش باهي وضعا مقلقا داخل مقر الجريدة بالدار البيضاء، حيث عاين الصحافيون معارك باردة تارة وساخنة تارة بين المشرف الجديد على الصحيفة، والجناح الرافض للتعيين، ما أثر سلبا على مسار صحيفة كانت تعد الأكثر مقروئية في تلك الفترة.
بدأت معاناة الرجل حين عينه عبد الرحمان اليوسفي مستشارا إعلاميا له وذلك في 14 ماي 1996، وكلفه بالإشراف على إعادة هيكلة هيئة تحرير جريدة «الاتحاد الاشتراكي»، بالنظر إلى التجربة التي راكمها في العديد من الصحف، خاصة صحيفة «المجاهد» الجزائرية التي كان يديرها، إضافة إلى ارتباط باهي بصحافة الحزب مدة طويلة، عبر إطلالته الشهيرة «رسالة باريس»، إلى أن وافاه الأجل المحتوم في 4 يونيو 1996.
نجا أحمد، ذو الأصول الموريتانية، من الموت مرات عديدة، أولها حين تسلل خلسة في مرسى نواذيبو إلى باخرة صيد إسبانية متجهة إلى طرفاية. وبعد الإقلاع، اكتشف طاقم الباخرة وجود شخص غريب، وقرروا رميه في البحر. وفتح معهم مفاوضات وعرض عليهم أن يقوم بأعمال الخدمة طوال الرحلة مقابل العدول عن رميه في البحر، فتكفل بتنظيف المطبخ وغسل الأواني وصيانة المراحيض. هكذا دخل الفتى إلى المغرب وتوجه إلى الرباط بحثا عن وظيفة صحفي في جريدة «العلم».
لكن الرجل كشف يوما للكاتبة زكية داوود، رئيسة تحرير مجلة «لام ألف»، عن أخطر موقف كاد أن يكلفه حياته، وقال: «لقد عشت حياة معقدة، نجوت من الموت مرات عديدة، من بينها المرة التي رفضت فيها تسيير جبهة «البوليساريو»، باقتراح من هواري بومدين قبل أن يفكر هذا الأخير في تعيين عبد العزيز المراكشي، طلبت مهلة للتفكير وعدت إلى فرنسا وأنا مرعوب».
من 14 ماي إلى 4 يونيو 1996 دخل باهي مرحلة العد العكسي، كان يكتم غيظه ويبتلع مرارة التآمر، وحين كان يعود إلى بيته يترك الدواء جانبا وينخرط في تدوين يومياته، فالكتابة بالنسبة إليه جرعة دواء يداوم عليها قبل الاستسلام للنوم. وحين شعر بدنو أجله آثر الرحيل مرة أخرى، مع توصية بجمع أشلاء زاويته «رسالة باريس» باعتبارها وثيقة تاريخية، لكن عددا من خصومه رفضوا طبعها في مطبعة الجريدة، في إطار الحرب الباردة التي كانت معلنة على الرجل.
قال المناضل عباس بودرقة، في تأبين باهي، إن التأبين هو نوع من الميلاد الجديد للمرحوم، كما كان يقول عبد الرحمان منيف رحمه الله، وهو على فراش الموت، «أوصى بالاعتناء وبنشر كتابات باهي»، لأنه كان يعتبره مدرسة تاريخية، أدبية، فكرية، سياسية وصحفية.
ومن المفارقات الغريبة أن الموت ظل حاضرا بقوة في كتابات باهي، ففي مقاله الشهير «فضيحة الحياة الأخرى»، تحدث عن الموت، وقال: «يكون الموت أسهل علينا عندما لا نكون وحيدين»، وأضاف: «الأحياء يخافون الموت مثل ما يخاف العميان الليل، وربما يحدث ذلك لأن الموت الذي هو أهم رحلة في الوجود لا يتهيأ له الأحياء بما فيه الكفاية. أما حين يأتي أو ينزل ضربة صاعقة لها لون البرق الخاطف من دون مرض أو احتضار، فهو الشفاء الأسمى».. وكأن الرجل تنبأ لطريقة وفاته التي جاءت كالوميض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى