الرأي

مصافحة المرأة في سويسرا حرام؟ (2/2)

برر الفتيان ذلك بأن «الإسلام يمنع ملامسة رجل لامرأة ليست من الأسرة»، وفق ما قالا. وقال أصغرهما في مقابلة إنه علم بهذا لدى مشاهدته خطبة على الإنترنت. وأمام رفضهما مصافحة المعلمة قررت إدارة المدرسة أن تعفيهما من ذلك ما أثار احتجاجات شديدة في سويسرا. واعتبرت وزيرة الداخلية سيمونتا سوماروغا أن «المصافحة جزء من ثقافتنا» وأن رفض التلميذين «غير مقبول باسم حرية العقيدة.»
من جهته، قال اتحاد المنظمات الإسلامية السويسرية إن المصافحة بين رجل وامرأة «أمر مقبول من الناحية الدينية.» وقررت سلطات الكانتون طلب خبرة قانونية ستعرف نتائجها في نهاية أبريل أو مطلع مايو. ووصل والد الصبيين وهو إمام مسجد في بال إلى سويسرا عام 2001 كطالب لجوء قادماً من سوريا. واستدعى مكتب الهجرة في الكانتون المكلف بطلبات منح الجنسية الأسرة لتوضيح الشروط التي حصل بموجبها الوالد على حق اللجوء. وبحسب الصحافة السويسرية، عادت بنات الإمام إلى سوريا لإتمام دراستهن هناك) انتهى الاقتباس.
مشكلة الاندماج أو دخول المعاصرة أو المخاض العسير لدخول العصر هي مسائل تنتظر الحل، وتجديد التفكير الديني يدخل في إطار مسائل يومية من هذا النوع.
أنا شخصيا حين كنت شابا صغيرا أدخلوا في روعي خرافات من هذا النوع، وكلها بأحدايث مشبوهة برصاء عرجاء لا تقوى على السير. لقنونا أن الموسيقى حرام، وأن من استمع إلى موسيقى جميلة لناي (الرومي) أو ألحان (ياني) أو ناي الصوفية، تأتي إليه مخابرات العذاب فيصبوا في أذنيه الرصاص المذاب بدرجة حرارة 800 لتلتهم الأذن الوسطى والباطنة؛ فلا يسمع بعدها قط، في صمم لا فكاك منه.
كنا ندخل في معارك مع سائق السيارة العمومي، وهو يحاول أن يطرد النعاس والملل بسماع شيء من الموسيقى فنصرخ أن أغلق مزمار الشيطان، ناسين حداء الأبل التي كان رسول الرحمة يدعو لها، وأنه استقبل في المدينة بفرقة موسيقية وغناء طلع البدر علينا. نفس الشيء حصل معنا في موضوع المصافحة وأنا أخاطب نفسي فلا أمد يدي للممرضة الألمانية أنه من غير المعقول مثل هذا التصرف الفج؟
لقد هداني عقلي في النهاية إلى أن الحل هو بالرجوع إلى العرف والأدب، وأن النص يجب أن يفهم على نحو مختلف، حتى جاء (أبو شقة) فهدانا سواء السبيل رحمة الله عليه، ولكن هناك بحورا لسباحتها قبل الوصول إلى شاطئ المعرفة واليقين والرحمة.
لقد حاول الغزالي في كتابه الحديث والسنة النبوية لمس هذا الجدار الصاعق، من أجل إطلاق مشروع الفن الإسلامي، ولكن بين هذا التوجه وجدار التاريخ سماكة لا تسمح بالاجتياز.
نفس الشيء حصل مع مكبرات الصوت أنها بدعة كما رواها لي جودت سعيد حين كان في القصيم في السعودية قبل نصف قرن، لأنها ليست الصوت الإنساني. نفس الشيء حصل في تعليم البنات، يسميها أبو شقة الرأي الدبري، بمعنى حربها أولا ثم تبينها لاحقا، ولكن بعد فوات الأوان، بحيث يصبح التدين فعلا حركة رجعية وإعاقة للحياة بجملتها، أيضا إغلاق المحلات في أوقات الصلوات ومنع النساء من قيادة السيارة والرياضة خوفا من فقد العذرية. عفوا؟ أيضا موضوع بناء المآذن في سويسرا، مع أنه حين بنى رسول الرحمة (ص) مسجده الأول لم يكن ثمة مآذن عثمانية؟
كل هذه الأكوام من ركام التاريخ يجب النظر فيها مجددا، بما فيها موضوع الجهاد المسلح الذي أفرز فيروسات داعش وجراثيم فاحش، بدعوى إقامة الخرافة الإسلامية عفوا الخلافة الإسلامية.
كنت في محاضرة في تطوان وقمت بتعريف الجهاد (المسلح) أنه دعوة لإقامة حلف عالمي لرفع الظلم عن الإنسان أينما كان ومهما دان، وقلت إن تعريفا من هذا النوع يوافقك عليه كل من يسمعك في الأمم المتحدة، أو أي منبر عالمي، فقام أخ فاضل ظننت فيه الثقافة والعقل؛ فقال لقد استفزني هذا القول، وأن الحياة كلها حرب، وأنه عكس ما قاله منظر الحرب الألماني (كلاوسفيتز) أن الحرب استمرار للسياسة بوسائل أخرى، بل إن السياسة هي حرب بوسائل أخرى، ونحن نرى اليوم طبيعة تطور نظام القوة أنه أفلس، وأن الحرب مؤسسة ماتت، وأن الحرب عند بوتين أو أوباما أو هولاند أو كاميرون أو كساو بينج تعني الفناء، ولا أظن أن ثمة أحد يشتهي الفناء. لقد كانت الحرب في ما سبق تحقق مكاسب، أما اليوم، كما يقول خبير الاستراتيجية النووية، فإننا نحاول تجنبها. لقد كان الإسبان يدفنون الخيل حين تنفق لأن هنود أمريكا كانوا يظنون فيها الخلود، وكذلك خيل الحرب الجديدة فأمامها الدفن.
حدثتني أختي اليوم من الأردن فقالت أختنا آينور هي في الموصل تحت مظلة داعش. وصفت الحياة بأنها رجعت إلى عصر إنسان نياندرتال والهومو إيركتوس، حيث يعيش الناس بمبدأ المقايضة تعطيني حليبا أعطيك بيضا؟
صدق المفكر محمد إقبال أن تراثنا في معظمه كتب في ظروف الصراع السياسي وحكم الطواغيت؛ فاختلط الحق بالباطل؛ فوجب نفض التراث ليس على طريقة القطيعة المعرفية، التي يدعو لها ويروج من كفر بالملة، بل إعادة بناء الثقافة بروح الإيمان، وإعادة الحياة لأمة فارقت نظم التاريخ والحضارة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى