الافتتاحية

مقاولتي جريمتي

حول برنامج حكومي لإحداث 30 ألف مقاولة ضمن مخطط «مقاولتي»، الذي أطلقته حكومة عباس الفاسي وأشرفت عليه حكومة بنكيران، مئات الشباب إلى مجرمين ملاحقين قضائيا، بعد إصدار حوالي 1500 مذكرة بحث وطنية في حق المستفيدين، بعد فشلهم في تسديد القروض البنكية التي منحت لهم.
وبدل أن يحقق هذا البرنامج الذي صرفت عليه الدولة الملايير من جيوب دافعي الضرائب، أهدافه النبيلة ويتحول إلى متنفس للتخفيف من البطالة وتقليص جحافل المعطلين، لم ينجح المشروع سوى في تحويل معطلين إلى ملاحقين قضائيين تتقاطر على مقرات إقامتهم مذكرات البحث والتبليغات بأحكام الحجز والاعتقال.
وفي اللحظة التي كان يبحث فيها الشباب عن فرصة للخروج من قبضة الفقر والبطالة والتهميش، وجدوا أنفسهم أمام أبواب السجون وفي مصحات الطب النفسي، وخاض بعضهم مغامرات الانتحار لوضع حد لمآسيهم.
وفي اللحظة التي تتطلب قيام الحكومة بفتح تحقيق شفاف ونزيه حول أسباب فشل أكبر برنامج حكومي تم التسويق له كعصا سحرية للقضاء على شبح بطالة الشباب، اكتفى محمد يتيم، وزير التشغيل، بالانحياز للتحليل السهل، الذي يحمل مسؤولية فشل المشروع لضحاياه، عكس ما خلص إليه تقريرا المجلس الأعلى للحسابات والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، اللذان حملا مسؤولية هذا الفشل للجهات المعنية بوضع «مقاولتي» وتنفيذه .
برنامج «مقاولتي» واحد من البرامج الفاشلة التي أبدعتها الحكومات فقط لـ«البروباغندا» السياسية والمكاسب الانتخابية، التي لم يتجاوز مفعولها السياسي والإعلامي لحظة التوقيع على الاتفاقيات والنصوص المنظمة لها أمام عدسات الكاميرات. ونتذكر جميعا المآسي التي تسبب فيها برنامج «10 آلاف إطار تربوي» وبرنامج «25 ألف مجاز» اللذان كانت تتباهى بهما حكومة بنكيران، قبل أن يتحولا إلى فتيل لإشعال الاحتجاجات، ومشروع «فلوسي» الذي تحول إلى كابوس للمئات من الشباب، بالإضافة إلى برامج «إدماج» و«تحفيز» و«التشغيل الذاتي» التي بقيت حبرا على ورق.
المعضلة التي تشترك فيها المشاريع الحكومية والتي كان الفشل حليفا لها، تكمن في اعتقاد خاطئ لدى الحكومة يجعلها تقتنع بأن مسؤوليتها تقف عند إطلاق البرامج الداعمة للتشغيل، وإمداد المستفيدين ببعض الأموال أو التدخل لمنحهم تسهيلات بنكية، دون أن يستتبع ذلك إجراءات مصاحبة وتتبع ودعم للقدرات لتجنب صعوبات المقاولة، خصوصا وأن تجربة المستفيدين بسيطة وتحتاج للتدخل المستمر.
اليوم لا يمكن أن تظل الحكومة صامتة تجاه مشاريع تتحمل، وفق تحذيرات تقريري المجلس الاقتصادي والاجتماعي والمجلس الأعلى للحسابات، جزءا من الفشل الذي أصابها، وتترك مئات الشباب يواجهون مصيرهم بالسجن أو الانتحار، أو الإفلاس والحجز على ممتلكاتهم، بحجة أنهم يتحملون مسؤولية في ما وقع، أو أن هاته المشاريع أطلقت في عهد حكومات سابقة. فالمسؤولية الحكومية تقتضي التدخل لإنقاذ شباب كانوا يبحثون عن العمل وأصبحوا يبحثون عن الحرية فقط.

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى