شوف تشوف

الرأيالرئيسية

منعطف حرب أوكرانيا

عبدالوهاب بدرخان

الحرب مستمرة في أوكرانيا «حتى تحقيق أهدافها»، كما تقول موسكو، وحتى «هزيمة روسيا» أو «عدم السماح لها بالانتصار»، بحسب واشنطن وعواصم غربية أخرى. لكن حصر العمليات العسكرية في الإقليم الشرقي (دونباس)، وتحويل المدن الواقعة على أطرافه ساحةَ حرب، كذلك في الساحل الجنوبي، أوضح الاستراتيجية الروسية المرحلية، وبات يحدد شروط أي «تسوية» محتملة.

فمن جهة يجري سلخ «الجمهوريتين» الانفصاليتين، دونيتسك ولوغانسك، ورسم حدودهما مع بقية أوكرانيا، وقد تبقيان «مستقلتين» أو تُضمان لروسيا. ومن جهة أخرى، يمكن إخضاع الشريط الجنوبي للتفاوض والمساومة، إذ إن جزءا منه (ماريوبول وخيرسون) تريد روسيا ضمه، ليكون ممرا بريا ومنطقة آمنة لشبه جزيرة القرم التي ضمتها عام 2014.

وفي المقابل، يعتبر الجانب الأوكراني أن مقاومته الشديدة منعت القوات الروسية من دخول كييف، وأجبرتها على الانسحاب من محيط العاصمة والانكفاء شرقا، وبالتالي فإن القوات الحكومية تمارس حقها المشروع في «تحرير» كامل الأراضي حتى الحدود المعترف بها دوليا، ويدعمها في ذلك ما تتلقاه من تسليح متطور ودعم سياسي ومالي.

غير أن التمويل الأمريكي والأوروبي للحرب لا يُخفي واقعَ أن أوكرانيا دولة منكوبة هجرها أكثر من عُشر سكانها، ويعاني الباقون من اقتصاد منهك ومعطل، ولا تعني إطالة الحرب سوى مزيد من الدمار. وباستثناء الولايات المتحدة، تعاني الدول الأوروبية الداعمة لأوكرانيا صعوبات طارئة جراء الحرب والعقوبات التي فرضتها على روسيا وتركت لديها تداعيات معقدة، من دون أن يتضح أمامها أفق زمني لنهاية الأزمة، فالمفاوضات الروسية الأوكرانية متوقفة ولم يكن يعول عليها أصلا، ولا مؤشرات لتفاوض مرتقب بين روسيا والغرب، لأن أي مبادرة لم تأت من واشنطن. لذلك اعتُبرت آراء وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، وكذلك الخطة التي طرحتها إيطاليا على الدول السبع والأمم المتحدة، بمثابة بداية بحث عن تسوية لإنهاء الحرب. اقترح كيسنجر صراحة بمنتدى دافوس «أن تتنازل أوكرانيا لروسيا عن الأراضي التي احتلتها»، بما في ذلك انفصال دونباس وضم القرم، محذرا من «عواقب على أمن أوروبا» تصعب السيطرة عليها، في حال السعي إلى «إذلال بوتين وروسيا».

وإذ يطابق كلامه «المطالب» الروسية، ويناقض توجهات الإدارة الأمريكية، فإنه يلفت إلى أن ميزان القوى لمصلحة روسيا. لكن الرئيس الأوكراني هاجم كيسنجر، ورأى أنه يقترح تكرار تجربة «معاهدة ميونيخ» (1938)، عندما وافقت بريطانيا وفرنسا وإيطاليا على أن تضم ألمانيا النازية منطقة السوديت التابعة لتشيكوسلوفاكيا، بغية احتواء مطامع هتلر وتجنب حرب عالمية. أخفق الاحتواء، واندلعت الحرب بعد سنة. أما خطة «الخطوة خطوة» الإيطالية فتبدو محاولة لوضع أسس للتفاوض، وتستند فيها روما إلى كونها قدمت الدعم المطلوب لأوكرانيا، لكنها تعتبر أن إنهاء الحرب لن يتم إلا بالتفاوض، وهو ما تعتقده عواصم أوروبا المنقسمة حول فرض العقوبات على روسيا، وحول الإدارة (الأمريكية) للأزمة.

كل الخطوات المقترحة في الخطة صعبة ومعقدة، من وقف إطلاق النار ومراقبته، إلى «حياد نهائي» لأوكرانيا بـ«ضمان دولي»، إلى الاتفاق الثنائي على الأراضي بين روسيا وأوكرانيا، وصولا إلى اتفاق متعدد الأطراف للسلام والأمن في أوروبا، بهدف نزع السلاح ومنع النزاعات، بما يعنيه من إحياء للمبادئ التي تأسس عليها الاستقرار الأوروبي منذ 1975، عبر منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. لكن كل ذلك لا يحل مشكلةَ روسيا مع حلف شمال الأطلسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى