شوف تشوف

الرأي

«من هائج إلى شديد الهيجان»..

يونس جنوحي
صور إعادة الشبان المغاربة الذين قطعوا البحر المتلاطم نحو سبتة المحتلة، لا بد أن تثير حفيظة الأسر التي لا تعرف أي شيء عن أبنائها الذين قطعوا البحر نحو المجهول ولم يظهر لهم أثر.
وجل الذين أعادهم خفر الحدود الإسباني إلى سلطات تطوان والفنيدق هذا العام، لديهم خبرة طويلة جدا في محاولات العبور، ويعرفون جيدا كيف يعيدون المحاولة مرات ومرات.
هناك حالة كبيرة من الإحباط واليأس تملكت هؤلاء الشباب بحيث لم تعد تظهر لهم أي بارقة أمل في الحكومة ولا في المنتخبين، لذلك قرروا خوض تجربة الهجرة السرية رغم أنها بدورها مقامرة كبيرة بالنفس والمال.
ومنذ ظهور إمكانية توثيق محاولات العبور بالهواتف النقالة، والمغاربة يتابعون أولا بأول محاولات أبناء الأحياء الشعبية من كل جهات المغرب وهم يودعون أقاربهم ويتراكمون فوق بعضهم البعض على ظهر «الزودياك».
هناك محاولات تكللت بالنجاح واستطاع المرشحون فعلا العبور، لكنهم اصطدموا هناك بواقع مرير وأصبحوا يعيشون مشردين تماما يلجؤون إلى الكنائس والمنازل المهجورة على أطراف المدن الصغرى والقرى ويقضون أيامهم هاربين من سيارات الشرطة أو مرابطين أمام الواجهات التجارية الكبرى يستعطفون الناس منحهم ما يسدون به رمقهم، وعندما يأتي المساء يعودون إلى الأماكن المهجورة للمبيت، في انتظار الفرج.
لكن الملف الذي لم تثره الحكومة أبدا رغم أنه موضوع حارق ومستعجل، يتعلق بالقاصرين الذين يعبرون نحو سبتة ومليلية ويعيشون إما في شوارع المدينتين في انتظار عبور البحر أو في الملاجئ التابعة لإسبانيا والتي تحاول تأهيلهم إلى أن يبلغوا عمر الثامنة عشرة ثم تمنحهم فرصة الاندماج في المجتمع الإسباني من خلال إقامة خاصة تخول لهم البحث عن عمل في التكوين المهني أو الحرف. وهؤلاء يُعتبرون محظوظين مقارنة مع العالقين الذين نجحوا في الوصول إلى المدن الساحلية الإسبانية ويعيشون في حالة تشرد معرضين للاستغلال الجنسي والتوظيف في شبكات الإجرام والتهريب وحتى الاتجار في البشر وكلها عصابات يديرها أوربيون وليس مغاربة.
كما أن خبر وصول مغربي السنة الماضية إلى ميامي الأمريكية بعد رحلة إبحار استمرت سبعة عشر يوما كادت خلالها أن تزهق روحه، لم تثر حفيظة أي مسؤول أو منتخب مغربي لإثارة موضوع مستقبل المرشحين المغاربة للهجرة السرية.
يتعلق الأمر بشاب ينحدر من الدار البيضاء صعد إلى الباخرة الخطأ، وبدل أن يصل إلى إسبانيا متخفيا في غضون ساعة أو ساعتين على الأكثر، وجد نفسه في سفينة شحن متجهة إلى مدينة ميامي الأمريكية، واضطر إلى التسلل من المخبأ إلى مطبخ السفينة بعد نوم الطاقم ليسرق من الثلاجة ما يبقيه على قيد الحياة إلى أن وصل إلى أمريكا.
وهناك مجموعة أخرى من الشباب وصلوا قبل عامين بالطريقة نفسها إلى البرازيل، لكنهم كانوا أقل حظا إذ توفي أغلبهم قبل الوصول ولم ينج إلا مرشح واحد حكى القصة بكثير من التأثر.
هؤلاء الناس الذين يقامرون بأرواحهم للعبور إلى الضفة الأخرى لا يمكن إقناعهم أبدا بمتابعة حالة الطقس التي تبث دائما بعد نشرة الأخبار المسائية في القطب العمومي المتجمد، قبل الإقدام على تجربة جديدة للهجرة السرية. ليس لأنهم فقدوا الأمل، ولكن لأن ثقافة العبور إلى ما وراء البحر تبقى أقل وطأة من متابعة خطابات هؤلاء السياسيين الذين لم يذهب أحد منهم لزيارة العائلات ولا للحديث إلى هؤلاء الشباب ولو لمنحهم بعض الأمل.
لم يصدق أغلب الذين شاهدوا صور السباحين وسط البحر المتلاطم للوصول إلى سبتة المحتلة أن هناك شبانا على قدر كبير من الشجاعة للقيام بتلك المحاولة مستغلين رداءة الجو وصعوبة الرؤية، ولم يصدقوا أيضا الصورة الصامتة للسيارة الكبيرة التي حملت العائدين إلى الفنيدق.. إذ إنها كانت تقول كل شيء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى