الرأي

موموات «ميدي1» ومداخيل الإشهار

عملية الإنزال الخطيرة التي تقوم بها شركات الإشهار، خلال أوقات الذروة الرمضانية بالقنوات العمومية، حولت هذه الأخيرة إلى قيسارية عمومية، إلى درجة أصبحنا نشاهد نصف ساعة كاملة من الإشهار تتخللها وصلة من المسلسل التلفزيوني.
وأخطر من ذلك، أن هذه الإشهارات لم تعد تقتصر على تسويق «خروق الرضع» ومساحيق التنظيف وشقق السكن الاقتصادي والمشروبات الغازية، بل إنها بدأت تستهدف فرض برامج وأعمال درامية بعينها، ضاربة بعرض الحائط استقلالية القرار داخل القنوات، خصوصا وأن الوصلة الإشهارية في وقت الذروة بلغت قيمتها 3000 درهم للثانية الواحدة، الأمر الذي دفع بمسيري القنوات المتخمة بمداخيل الإشهار الرمضاني إلى مسايرة الشركات في توجهاتها واختياراتها لنوع معين من المسلسلات والبرامج دون غيره، وما حدث في قناة «ميدي1 تي في» على عهد مديرها المقال عباس العزوزي مفيد على هذا المستوى بالذات، حيث إن هذا الأخير وبشكل مفاجئ وغير مفهوم راهن على محمد بوصفيحة الملقب بـ «مومو» ليحتل وقت الذروة ببرنامجه «مومو شو» على أساس أن هذا «المنشط» القادم من «هيت راديو» قادر على استقطاب جمهور الشباب، وبالتالي إغراء شركات الإشهار بتقديم وصلاتها الموجهة إلى هذه الشريحة العمرية المفروض أنها مهووسة بالاستهلاك ومسايرة ما جد من بضائع مستحدثة، وأنه لمن المؤسف أن يقع اختيار الإدارة السابقة لـ «ميدي 1 تي في» على «مومو» بوصفيحة رمزا للشباب المغربي، لما في ذلك من تحقير لشباب متطلع إلى ماهو أفضل، منفتح على العالم ومواكب يقظ للأحداث والمستجدات، وفاعل في المواقع الاجتماعية يتبنى قضايا مجتمعة ويدافع عن العادل منها باستماتة، فيما النموذج «الشبابي» الذي يجسده «مومو» يناقض كل ما سبق، فهو «المنشط» الذي يفتقد إلى الكفاءة والمهنية والمرجعية التعليمية والثقافية، ويلجأ إلى التهريج وإطلاق الكلام على عواهنه من أجل التغطية على مستواه الضحل، حيث إنه عاجز عن تركيب جملة مفيدة، ويعوض العجز التعبيري بكلام سوقي مبتذل لا تستسيغه أذن المشاهد، سواء وقت الإفطار العائلي أو خارجه، فكيف لهذه الركاكة أن تشكل قيمة مضافة سواء بالنسبة للشباب، أو لشركات الإشهار، أو لقناة تلفزية مثل «ميدي 1 تي في»، التي دخلت منذ تأسيسها عام 2006 في مرحلة تجريب لا تنتهي بحثا عن التميز واكتساب هوية خاصة بها، وتحديد مجال استهدافها لجمهور واضح المعالم، وخريطة انتشار جغرافية بدأت طموحة من أجل استقطاب جمهور مغاربي ومتوسطي، وانتهت بالدخول في مرحلة تجريب مرهفة أخرى حين سعت الإدارة السابقة إلى تحويلها إلى قناة إخبارية على مدار الساعة، لكن دون أن توفر الوسائل اللوجيستيكية والموارد البشرية الضرورية لتحقيق طموح من هذا المستوى. وكانت القناة تسير بخطى حثيثة نحو إفلاس من نوع آخر، بعد إفلاسها المادي سابقا، حين تحول التذمر والشكوى إلى قدر العاملين بها والذين شرعوا منذ مدة في البحث عن عمل جديد بعيدا عن عبثية التسيير والتدبير اللامهني، بعدما قام المدير السابق بتهميش طاقات القناة الأكفاء من صحافيين وتقنيين وفي المقابل اعتنى بـ«مومواته» التابعين، المطيعين والمطبلين لسياسته التي «حمضت» وجه القناة. ولعل الإدارة الجديدة لقناة «ميدي 1 تي في» واعية بحجم هذه الرهانات، بعد أن استهل المدير الجديد ساعات قليلة بعد تنصيبه، بإجراءات فورية منها وقف برنامج «مومو» بوصفيحة، لـ «استخدامه لغة في التنشيط غير معهودة في المؤسسة».
فهل هذا يعني أن توقيف المدير الجديد لبعض البرامج، لأنه فعلا لا يعتبر قناته رهينة أو دمية في يد شركات الإشهار، وليس ملزما بالرضوخ لأهوائها وشطحاتها وابتزازها للجمهور عبر ترويعه في أوقات الذروة بالبرامج التافهة التي تحتقر ذكاء المشاهد، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون ذر الرماد في العيون بعد أن راجت أخبار تفيد أن المدير الجديد هو في نفس الوقت مدير شركة «ريجي 3»، الشركة المكلفة بإشهار مجموعة من الأعمال التي تعرض على «ميدي 1 تي في» خلال شهر رمضان، وما توقيفه لهذه البرامج لا يعدو أن يكون إلا خوفا على أرباح شركته؟
في انتظار الإجابة الشافية والكافية وما تخفيه لنا الأيام في المواسم المقبلة نكتفي بنهج سياسة «شوف وسكت».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى