شوف تشوف

شوف تشوف

نقط للبيع (2/2)

أصبحت لدينا في الجامعات فصيلة من الأساتذة الذين يحترفون جمع المال عوض جمع العلم، ويستعملون سلطتهم العلمية في تفريغ كبتهم الجنسي باستغلال طالباتهم جنسيا ومقايضتهن النجاح والبحوث بالمتعة المجانية. وليست الأسماء ما ينقصنا في هذا المجال، ففي كل كلية لدينا أسماء معروفة سمعتها أسود من الزفت، منها أسماء لأساتذة لا تفتح جريدة أو قناة دون أن تعثر على أحدهم يحلل ويناقش ويعطي الدروس في محاسن الأخلاق، ولو أن وزارة التعليم العالي وضعت خطا أخضر لتلقي شكاوى الطالبات اللواتي يتعرضن للتحرش الجنسي من طرف أساتذتهن، لما بقي في سجلات المشرفين على استقبال المكالمات مكان فارغ يسجلون فيه مزيدا من الشكايات، فالظاهرة أصبحت شبه عامة لا تكاد تخلو منها كلية أو جامعة بشكل أصبح معه السكوت عن هذه الفضيحة جريمة لا تغتفر. وقد نشرت وزارة التعليم العالي قبل سنوات دراسة صادمة حول البحث العلمي في الجامعات المغربية، وحسب هذه الدراسة، فهناك 55 في المائة من الأساتذة الجامعيين الذين لم ينشروا ولو سطرا واحدا طيلة حياتهم الجامعية، وبالمقابل يمكن أن تعثر على أغلب هؤلاء «ناشرين» أرجلهم على أرصفة المقاهي «يخرجون» الكلمات المسهمة. وحسب التقرير، فقد انخفض الإنتاج العلمي ما بين 2002 و2006 بنسبة الثلث، فيبدو أن أغلب هؤلاء الأساتذة الجامعيين منشغلون بالبحث عن البقع الأرضية التي يعيدون بيعها، أو السيارات المستعملة للمتاجرة في قطع الغيار. كما كشفت الدراسة أن 70 في المائة من الأساتذة الجامعيين غير راضين عن دورهم المهني، مع أن بعضهم راضون عن رواتبهم التي يتقاضونها مقابل تدريس ساعتين في الأسبوع، والأفظع في الدراسة هو ما تذكره من أن 46 في المائة من الأساتذة الجامعيين المستجوبين يريدون تغيير مهنتهم بمهنة في القطاع الخاص، فيما 40 في المائة عبروا عن رغبتهم في ممارسة مهنة مستقلة كالتجارة والمقاولات.
والظاهر أن هناك نسبة «محترمة» من أساتذة الجامعات الذين يخلطون بين المقاولات والتجارة والتدريس الجامعي، خصوصا أولئك الأساتذة الذين يطبعون محاضراتهم في كتب ويشترطون على الطلبة اقتناءها وإحضارها في امتحانات الشفوي. في السابق، كانوا يطبعونها بـ«الستانسيل» و«البوليكوب»، واليوم أصبحوا يفضلون طباعتها في كتب لأن أرباحها أكبر، وبمجرد ما يدخل الطالب غرفة الامتحان، يسأله الأستاذ عن كتابه أولا قبل أن يسأله عن أي شيء آخر.
وإذا غامر الطالب بالدخول على الأستاذ بيدين فارغتين، فإن هذا الأخير يسأله أسئلة من قبيل «كم شجرة توجد في غابة الأمازون»، وحتى يضمن الأستاذ اقتناء كل طالب لنسخة من كتابه، فإنه يبادر عند نهاية «الاستنطاق» الشفوي إلى كتابة إهداء للطالب على الصفحة الأولى من الكتاب، ليس من أجل سواد عينيه طبعا، ولكن لكي يضمن الأستاذ عدم «تسليف» الطالب كتابَه للطالب الذي سيأتي بعده.
وهناك أساتذة جامعيون أشباح يحصلون على صفقات مع وزارات، كتلك التي حصل عليها أستاذ في الآداب مع وزير الشباب والرياضة كخبير قانوني بعقدة تصل 30 مليون سنتيم، خبير قانوني خريج كلية الآداب، «وفهم شي حاجة».
أعرف أن ما أقوله سيغضب بعض الأساتذة الجامعيين، لكن هذه هي الحقيقة الصادمة ويجب أن تكون لدينا الجرأة لكي نعترف بالمستوى المتدني الذي وصلت إليه الجامعة المغربية، ولعل أوضح مثال على البيع والشراء الذي أصبح يسود الجامعات والكليات هو موضة «الماستر» التي أصبحت على كل لسان، وبمجرد ما تسأل طالبا أو طالبة عن مستواه الجامعي، يقول لك «داير ماستر فالمحاسبة»، أو «دايرة ماستر فتسيير المقاولات». و«الماستر» شهادة جامعية مؤدى عنها، أي أن الطالب يدفع ما بين 50 و60 ألف درهم للجامعة من أجل الحصول عليها خلال ثلاثة فصول دراسية، فيضع الأستاذ المشرف على «الماستر» 70 في المائة من هذا المبلغ في جيبه، فيما تذهب عشرة في المائة إلى الجامعة وعشرة في المائة إلى الكلية والعشرة الأخرى تذهب إلى ميزانية المعدات.
وبالإضافة إلى «الماستر» مدفوع الأجر، هناك «الماتسر» المجاني الذي تتحمل الوزارة تكاليفه، ولكي يتم قبول بعض الطلبة في هذا «الماستر»، فعليهم أن «يحكو» جيوبهم، أما بعض الطالبات فلكي يتم قبولهن فعليهن حك مكان آخر.
وطبعا، هناك شهادات «ماستر» أغلى سعرا، فالشهادات الجامعية بالكليات المغربية «كلها وثمانها».
هذه بعض أخطر الأمراض التي تعاني منها الجامعة المغربية، وطبعا، فنحن لا نعمم الأحكام، فهناك داخل الجامعة المغربية أساتذة شرفاء يقبضون على نزاهتهم كالقابض على الجمر في فضاء موبوء وملوث بشتى أنواع العقد والأمراض الاجتماعية، وهؤلاء الأساتذة بدورهم يشتكون من ممارسات زملائهم المخلة بالآداب والمهنية، ويطالبون الوزارة بالقيام بحملة لتطهير الجامعة من هذه الطفيليات الضارة.
لهذه الأسباب مجتمعة، نفهم لماذا توجد الجامعة المغربية اليوم في مؤخرة ترتيب الجامعات العالمية، ونفهم أيضا أن الجامعات عندنا ليست إلا ثانويات كبيرة، بل رياضا لحراسة أطفال كبار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى