الرئيسيةملف التاريخ

نكبات طنجة وقائع محزنة وحوادث مفجعة في مدينة عاشت تحت الوصاية الدولية

عم الحزن المغاربة بعد أن انتشر خبر مصرع 28 عاملا في مصنع غير مرخص بمدينة طنجة، كان تسرب المياه جراء الأمطار الغزيرة التي اجتاحت المدينة مما تسبب في محاصرة عدد من الأشخاص كانوا يعملون داخل هذه الوحدة الصناعية، وإغراق المعمل بآلياته ومستخدميه، ما اعتبر دافعا ليصنف الحادث في خانة الفاجعة التي ألمت بشعب كامل خاصة أن الضحايا كلهم من البسطاء الباحثين عن لقمة عيش مبللة بماء المطر.
النكبات القادمة من مدينة طنجة غالبا ما تدور في حلقة موت المرشحين للهجرة السرية في عرض سواحل المدينة، خاصة وأنها ظلت لسنوات تشكل نقطة عبور صوب الضفة الأخرى. وفي كثير من الأحيان كانت النكبات تأتي من الحرائق التي تأتي على الغابات المحيطة بالمدينة والفيضانات الناتجة عن وادي حسنونة ومغوغة. في كل هذه الفواجع يفتح تحقيق لكن مع مرور الوقت ينسى المواطنون مسار البحث وتغمر القضية طبقات سميكة تكفي لإقبار الأحزان في الأذهان.
لكن علاقة طنجة مع النكبات تعود لسنوات طويلة، فموقعها الجغرافي جعلها محل أطماع الاستعمار، ومكانتها في النسيج الاقتصادي والسياسي حولتها إلى مسرح لأحداث لا يحصى ضحاياها، بدءا بالغارات التي تعرضت لها مدينة البوغاز في فترات تاريخية متفرقة، مرورا بأوبئة ضربت المدينة وحولتها إلى حاضرة منكوبة، وزلازل وكوارث طبيعية غيرت خريطتها ودفنت في تربتها مئات المواطنين، ثم انتهاء بغضبات الأودية الصامتة التي تزيدها زخات المطر فورة غضب فتأتي على الأخضر واليابس.
في هذا الملف سنتوقف عند كدمات موجعة في وجه مدينة كانت تستهوي الأجانب فيرتمي في أحضانها المبدعون من أجل لحظة استمتاع في طنجة المطلة على القارة العجوز.

عندما أغرت طنجة الأوربيين فحولوها إلى مدينة بوصاية مشتركة
يقول الباحث شارل أنري جوليان إن بلاد شمال إفريقيا تبدو وكأنها قاصرة قصورا ورائيا عن التمتع باستقلالها، «إن الفروق كبيرة والاختلافات كثيرة جدا بين عنصري سكان المغرب العرب والبربر، إن تاريخ المغرب كله أزمات».
في صحيفة «إسبانيا» إحدى أعرق المطبوعات الصحفية، حوار أجراه موفد الجريدة إلى طنجة مع مفتش الآثار التاريخية بنفس المدينة. ففي جواب هذا الأخير عن سؤال يتعلق بالعناصر التي ثبت يقينا أنها سكنت طنجة، قال: «الفينيقيون الذين ظهروا في طنجة حوالي سنة 1450 قبل الميلاد، تقريبا في نفس الوقت مع الليبيين، ثم بالتتابع: القرطاجنيون الرومان، الوندال، العرب، البرتغال، الإنجليز، والإسبان».
ويضيف الكاتب في مقال صادر بمجلة دعوة الحق (العدد 140)، أن «طنجة قطعة من تراب المغرب الأقصى، أو بلاد البربر القديمة، وأن سكانها قبل الإسلام هم البربر. بعد الفتح العربي واقتناع البربر بمبادئ الإسلام، وإقبالهم على اعتناقها والعمل على نشرها، امتزج العرب الوافدون بأهل البلاد الأصليين، وكانوا معا العنصر الأساسي للسكان، وهو العنصر المغربي».
نظرا لموقع طنجة الجغرافي والاستراتيجي الممتاز، ولقيامها بدور مهم في فتح شبه جزيرة إيبيريا عام 711م، تعرضت في بداية العصور الحديثة لرد فعل عنيف، فاحتلها البرتغال عام 1471م، ولما تزوج ملك الإنجليز شارل الثاني سنة 1662 م بالأميرة البرتغالية كاترين براغنثا منحت طنجة للإنجليز، ولكن مضايقات الجيش المغربي للمحتلين الجدد بقيادة علي بن عبد الله الحمامي الريفي أمير جيوش مولاي إسماعيل بالشمال، زعزعت مضاجع الإنجليز، فانسحبوا منها على مضض عام 1684م.
ظلت طنجة مغربية إلى أن فرضت الحماية على المغرب عام 1912، وإثر ذلك، وتحديدا في عام 1923، ورغبة في ترضية بعض الدول الأوربية، فرض على طنجة نظام دولي لم يلبث أن تبخر بعيد الاستقلال بقليل، وذلك بعد اتفاقية دولية تم إبرامها في أكتوبر 1956، حينئذ آلت المدينة إلى ملكية أصحابها الشرعيين لتكون مع مجموع التراب الوطني المغربي مملكة المغرب المستقلة الحديثة، التي خلفت مملكة المغرب التي حافظت على استقلالها قرونا متتابعة متطاولة، وظلت صامده في وجه التكالب الأوربي.

6 غشت 1844.. يوم هرب الطنجاويون من مدينتهم
في فصل الصيف وتحديدا في سادس غشت عام 1844، تعرضت طنجة لغارة بالذخيرة الحية، فقد أطلقت البحرية الفرنسية المسلحة قذائفها النارية على طنجة، ردا على مساعدة المغرب للجزائريين في حربهم ضد الاحتلال الفرنسي.
ينقل الباحث الطنجاوي محمد سعيد أرباط تفاصيل هذا اليوم المرعب الذي عاشته المدينة، وذاقت فيه المعاني الحقيقية للخوف جراء هذا القصف، الذي حاول أمير جوانفيل قائد البحرية الفرنسية المكلف بضرب سواحل المغرب أن يتجنب، كما ادعى، قتل الأبرياء حتى لا يذكره التاريخ بسوء، لكنه سقط في المحظور.
ففي منتصف يوليوز 1844 انطلق أمير جوانفيل قائد الأسطول الفرنسي، وظهر بسفنه الخمس عشرة في عرض ساحل طنجة قبالة الميناء في الساعات الأولى من صبيحة يوم الثلاثاء 6 غشت 1844 موجها مدافعه صوب المدينة التي كانت راقدة في سباتها الصيفي.
«قبل قصف المدينة، تلقى قنصل فرنسا أمرا بإخلاء المدينة فركب عبارة ورحل نحو جبل طارق هو وأفراد أسرته، ثم لحق به قناصل وممثلو الدول الأوروبية بطنجة، فتسببت هذه التحركات في خلق رعب كبير».
في كتابها «الأزمات والمجتمع: أهل طنجة والقصف الفرنسي عام 1844» تقدم سوزان جيلسون ميلر رصدا بالكلمة لما حدث في يوم استيقظ فيه السكان على رائحة البارود. حسب المؤرخة فإن حالة الرعب الكبيرة التي استولت على أهل طنجة، دفعت ببعضهم إلى محاولة الفرار من المدينة عبر المراكب، في حين فر آخرون إلى ضواحي طنجة وجبالها خشية الموت من القصف الفرنسي، ولم يبق بالمدينة إلا الضعفاء والعجزة.
أغلب اليهود الذين كانوا بطنجة خاصة الأغنياء منهم، فروا إلى وجهات مختلفة قبل القصف بوقت كاف، كمدينة تطوان، وكان عددهم في هذه الفترة يفوق ألفي نسمة بقليل، حسب البوابة الإلكترونية «المكتبة اليهودية الواقعية».
«ما بين الثامنة والتاسعة بدأ القصف الفرنسي لطنجة، ورد المغاربة بمدافعهم على هذا القصف، لكن المقاومة المغربية لم تدم طويلا وتمكن الفرنسيون في 20 دقيقة من ضرب جميع دفاعات المغاربة رغم استماتتهم في الدفاع عن طنجة إلى آخر رمق كما اعترف أمير جوانفيل بعد انتهاء القصف».
ونشرت جريدة «التايمز» الإنجليزية في عددها ليوم 21 غشت 1844 عبر مراسلها في جبل طارق تفاصيل القصف الفرنسي بعنوان «أمير جوانفيل يقصف طنجة» ذكرت فيه، أن القصف يعتقد أنه تسبب في مقتل حوالي 7 أو 8 أشخاص على الشاطئ، وتسبب في دمار العديد من البنايات.
وأضافت أن مباني القناصل وممثلي الدبلوماسيات الدولية كانت الأكثر تضررا رغم محاولات البحرية الفرنسية تجنبها، وذلك راجع إلى كون هذه المباني هي الأكبر بالمدينة، وحتى القنصلية الفرنسية لم تسلم من القصف، في حين أن القنصلية الانجليزية أصيبت بخمس قذائف مدفعية، حسب الجرد الأولى للخسائر.
«لم يتوقف قصف المدفعية الفرنسية للمدينة إلا بعد عصر اليوم، وخلفت دمارا مهما بالمدينة، ثم ظلت سفن أمير جوانفيل جاثمة على ساحل طنجة إلى يوم الخميس 8 غشت 1844 ثم رحلت إلى قادس حيث تزودت بالمؤن قبل انطلاقها إلى قصف الصويرة على المحيط الأطلسي»، يقول مراسل «التايمز».
بعد رحيل السفن الفرنسية عن ساحل طنجة، بدأت الحياة تعود إلى المدينة تدريجيا، وعاد الناس إلى دورهم المهدمة لإصلاح ما يمكن إصلاحه بعد رعب دام أياما طويلة، وكان اليهود الأقل ضررا من هذا القصف والأكثر استفادة، كما جاء بخصوص تاريخهم في «طنجة» بالبوابة الإلكترونية المذكورة وصاروا يحتفلون بذكرى هذا القصف كل سنة تحت اسم «عيد القنابل».

مستشفى ابن شيمول يعجز عن وقف زحف وباء الكوليرا
حين كانت مدينة طنجة تحت الحماية الدولية، سطع نجم يهودي يدعى حاييم بن شيمول، كواحد من محسني المدينة، حيث انكب على بناء العديد من المرافق الاجتماعية، خاصة دور الرعاية وأحدث صندوقا تضامنيا لدعم الفئات اليهودية الهشة. ويعد مستشفى ابن شيمول الذي بني سنة 1900 وكان يتواجد في منطقة حسنونة، من أهم مظاهر مساهمات اليهود في بناء المدينة، علما أن المستشفى الذي يعد الأقدم في طنجة، كان مفتوحا في وجه اليهود والمسلمين والمسيحيين، كما ساهم في تعزيز التقارب اليهودي المغربي. حين كان أزيد من 17 ألف يهودي مغربي يعيشون في طنجة أثناء خضوعها للنظام الدولي. أما الآن فلم يبق منهم سوى 60 مسنا.
لكن هذا المستشفى سيعرف فاجعة بسبب ارتفاع عدد المصابين بوباء الكوليرا حتى مات عدد من الممرضين والأطباء جراء هذا المرض الفتاك. يقول الطبيب الفرنسي لويس أراغون: «ظهر هذا الوباء أول مرة بالمغرب سنة 1834 ليتجدد مع تكرار موجاته العالمية التي اكتسحت جهات مختلفة من المعمور خمس مرات خلال القرن التاسع عشر، وخلال فترة الحماية عاد تحت مسميات أخرى قادما من الشرق. عجز مستشفى ابن شيمول عن علاج مرتاديه وبدأ الوباء في ضرب الجهاز الطبي فغادر الناس والجيران المكان خوفا من القوة التدميرية لوباء الكوليرا، لا تقل عما خلفه الطاعون من ضحايا».
عادت الكوليرا إلى طنجة محمولة في ركاب الموجة العالمية الثالثة للوباء، فضربتها في مناسبتين قريبتين في الزمن، وكان فتكها قويا بهذه المدينة؛ إذ تحدثت المصادر عن 300 إلى 400 ضحية في اليوم الواحد. واستمرت الموجات العالمية إلى حدود الخامسة في زرع الكوليرا عبر المعمور محدثة هدرا ديموغرافيا متواليا.
في ليلة الثاني من أبريل 2012، تحولت الجرافات صوب مستشفى ابن شيمول في طنجة، والذي كان يؤوي بضعة عجزة يهود اختاروا العيش في هذا المرفق بدل التسكع في شوارع المدينة. في لحظة استنفار سلطوي، دمر الملجأ عن آخره، دون أن يعرف والي طنجة الذي صدر عنه قرار الهدم، أن الإجهاز على أقدم مستوصف في المدينة تزامن مع مناسبة دينية لليهود.
قالت راشيل مويال، اليهودية التي كانت تشرف على أعرق مكتبة في مدينة طنجة «مكتبة الأعمدة»، «حين علمت بهدم مستشفى ابن شيمول، تمنيت ألا تبنى عمارة مكانه، آمل أن يبقى هذا المكان فضاء مفتوحا يحمل اسما يهوديا لمحسن يدعى ابن شيمول. تذكار أو أحجار تذكر بأن طنجة عاشت فيها جالية يهودية اندمجت فيها وأسدت لها خدمات، كما أسدتها لكل المغرب».
تقاطرت على والي طنجة عشرات الرسائل المنددة بالقرار، وتبرأ هذا الأخير من تهمة الإجهاز على ذاكرة اليهود، مؤكدا أن المجلس البلدي هو صاحب القرار الصادر في نونبر 2008. وبفضل الاجتماعات التي عقدت في مكتب الوالي بحضور قيادات يهودية نافذة تم تطويق القضية، مع الاتفاق على تعويض الوعاء العقاري المصادر بقطعة أرضية لفائدة الطائفة اليهودية بطنجة، وتم طي الملف بشكل نهائي.

غرق سفن في مضيق البوغاز يستنفر السلطان
بعد مؤتمر مدريد ظهرت إرهاصات موازين القوى في المنطقة، وتبين أن البقاء سيكون للأقوى والأكثر تسلحا، لاسيما بعد أن أبانت كثير من الدول عن نواياها الاستعمارية، في عام 1880، لم تكن المملكة الشريفة تتوفر سوى على أربع «بواخر» هي حصيلة حجز في المياه الإقليمية التي لم تكن حينها محددة.
وأمام ازدياد عمليات القرصنة، وما تلاها من هجمات على المدن الساحلية، آمن السلطان الحسن الأول بضرورة امتلاك أسطول بحري، له دور عسكري أولا وتجاري ثانيا من خلال تأمين الرحلات البحرية بين موانئ المملكة من جهة وموانئ الدول المجاورة.
ضاق الخناق حول المملكة بعد احتلال الجزائر من طرف الفرنسيين عام 1830، وما تلاه من «تحرش سياسي» بالمغرب من خلال معركة إيسلي عام 1870 والتي شهدت خسارة للجيش المغربي في أول اختبار بري. وتبين أن مواجهة المد الفرنسي لا تحتاج فقط لتقوية الجبهة الداخلية بل أيضا لتعزيز الحضور العسكري والاستعانة بكفاءات أجنبية لها اطلاع ومعرفة بالمغرب.
كان البحار الفرنسي نيكولا باكي، يقيم في المغرب منذ 1862، وكانت الدولة المغربية تسمح له باستغلال الخطوط البحرية المغربية تجاريا في ما يشبه الريع. لذا اختار السلطان ومستشاروه الاعتماد على هذا الرجل العارف بتضاريس الملاحة البحرية المغربية ودعمه لتكوين أطر وطنية مؤهلة للإبحار العصري. وقد تم بالفعل إرسال مغاربة إلى ألمانيا وإيطاليا ثم إنجلترا لهذا الغرض، لأن المغرب لم يتمكن من تكوين بحارة مؤهلين تقنيا، بل كان يعتمد على أشخاص لهم معرفة بالبحر، وكانت السفن الأربع بخارية لذا أطلق المغاربة على السفينة اسم «بابور» وهو تحريف لكلمة «فابور» أي بخار. وأسماؤها مستوحاة من ملاكها ومن تمثلات صوفية على غرار باخرة «الحساني» بريطانية الصنع وتحمل اسم مالكها. وسفينة «سيدي التركي» التي تم شراؤها من ألمانيا وحملت اسم سليمان تركي رئيس فرقة المدفعية، حيث كان وراء إنشاء مدافع الرباط التي استرجعوا بفضلها مدينة الجديدة من البرتغال.
أمام الرغبة في امتلاك أسطول بحري، ظل القبطان نيكولا يجوب أوربا بحثا عن دعم تقني وبشري، وكان على اتصال دائم بالقصر لإحاطة السلطان بآخر المستجدات، خاصة في ظل إضرار القوى الاستعمارية على فرض حظر تكنولوجي على المغرب.
أنشأ في مارسيليا مقرا لوكالة أسفار بحرية ونظم رحلات سياحية بحرا إلى المغرب بالرغم من الظرفية الاقتصادية والسياسة التي كانت تعرفها المنطقة، حتى بعد وفاته سنة 1909، فإن الشركة حملت اسم «عبارات باكي» وظلت تواصل استثماراتها في مدينة أكادير ومدن أخرى، متحديا تحذيرات القوى الاستعمارية رغم أن عباراته غرقت في رأس سبارطيل بطنجة عام 1933، حيث ظلت حوادث غرق السفن أمرا معتادا بالرغم من بناء المنارة المعروفة باسم «كاب سبارطيل» والتي تعد واحدة من أقدم المنارات البحرية في العالم، حيث أنشئت عام 1864، في عهد السلطان المغربي محمد الرابع بن عبد الرحمان، وبناؤها تم بعد أن عرف مضيق جبل طارق غرق عدد من البواخر بسبب غياب منارات هادية، خصوصا وأن هذا البحر غريب الأطوار ومتقلب المزاج.

هزات زلزال لشبونة المدمر تصل لسواحل طنجة وتسبب خسائر فادحة
ضرب زلزال مدمر صباح اليوم الأول من شهر نونبر عام 1755 البرتغال، تزامنا مع عيد القديسين الكاثوليك. وأوردت التقارير أن الزلزال استمر ما بين ثلاث وست دقائق، وتسبب في شق ضخم عرضه خمسة أمتار ليمزق قلب لشبونة.
هرع الناجون إلى المكان المفتوح لرصيف الميناء بحثا عن النجاة، وشاهدوا المياه وهي تنحسر وتكشف عن قاع البحر الذي افترش بشحن ضائعة وحطام سفن قديمة. وبعد عشرات الدقائق من الزلزال غمرت المياه الميناء ووسط المدينة ثم اندلعت النيران بسرعة واستمرت الحرائق على مدار خمسة أيام
لم تكن لشبونة هي المدينة الوحيدة التي تأثرت بالكارثة في البرتغال فقد شعر سكان أوروبا كلها حتى فنلندا وشمال إفريقيا بالزلزال، خاصة مدينة طنجة. وكان ارتفاع مياه البحر قد وصل إلى عشرين مترا واكتسح سواحل المملكة.
يقول محمد سعيد أرباط الباحث في تاريخ طنجة: «وقع هذا الزلزال التي وصفته جل المصادر العالمية، منها المغربية أيضا، بالزلزال العظيم والكبير، في فاتح نونبر من سنة 1755، وكان مركز الهزة يقع في المحيط الأطلسي قبالة السواحل الغربية البرتغالية والإسبانية، وسمي بزلزال لشبونة، لكون هذه الأخيرة تضررت أكبر ضرر، لدرجة أن المدينة قد تدمرت تدميرا مروعا بالكامل».
وكان هذا الزلزال قد وقع في الساعة التاسعة والنصف من صباح يوم سبت، وكرر ضرباته ثلاث مرات، وكانت تفصل بين هزة وأخرى ما يقرب عن دقيقة. هذه الهزات الثلاث كافية بأن تسبب دمارا في لشبونة ومدن سواحل إسبانيا ومدينة طنجة، بل إن الهزات وصلت إلى الجزائر العاصمة إضافة إلى فاس ومكناس في المغرب، لكن طنجة كانت الأكثر تضررا خاصة على مستوى البنيات التحتية. وأكدت الأبحاث العلمية الحديثة أن قوته وصلت إلى تسع درجات على سلم «ريشتر»، أعقبته موجات تسونامي كبيرة ضربت سواحل البرتغال والمغرب، وكانت طنجة من أكثر المدن المغربية تأثرا بهذا الاجتياح، وتحدثت المصادر ذاتها عن حصيلة الضحايا في ربوع المغرب والتي قاربت عشرة آلاف.
ومرت 17 يوما فقط على هذين الحدثين الكبيرين فحدثت هزة أخرى قوية في 18 نونبر 1755 وكانت طنجة وتطوان هما الأكثر تضررا حيث وصلت قوة الهزة بهما إلى ما يفوق عن 8 درجات على سلم «ريشتر» متسببة في دمار العديد من الدور والمباني.

جرائم حرب خطط لها الجيش الفرنسي في مدينة طنجة
من بين الأسرار التي كتمتها المدينة في وقتها، التخطيط للإنزالات البحرية في فترة الحرب العالمية الأولى. فقد شهد ميناء طنجة عمليات بحرية لنقل معدات الحرب عبر السفن وعبور الجنود الأفارقة الذين شاركوا بقوة في الحرب العالمية الأولى، أواخر سنة 1915، عبر طنجة وقضائهم لفترة راحة قبل عبور البحر نحو ميناء مارسيليا.
كان سكان طنجة يتابعون مشهد السفن الضخمة وهي ترسو على بعد أمتار فقط من المدينة، وكان ممنوعا الوصول إليها لدواع أمنية وعسكرية وقد كتب عنها السفير الأمريكي «هولت» في مذكراته عن المغرب، والتي خصصها كلها تقريبا للحديث عن طنجة التي سحرته ما بين سنوات 1908 و1912، رغم أنه قضى سنوات سابقة بمدن عربية أخرى في الشرق قبل أن يكلف بمنصب قنصل عام أمريكي في طنجة. قال إنه تعرف على المجتمع المغربي من خلال طنجة، وسمع كثيرا عن «تخلف» باقي المناطق في المغرب مقارنة مع الانفتاح الذي وصل إليه سكان طنجة بفضل احتكاكهم مع الأوربيين عن قرب، حتى أن هناك عائلات مغربية أصبحت تسكن نفس المنازل مع المغاربة البسطاء، الذين سرعان ما اعتادوا على الحياة الأوربية.
من بين الأسرار التي احتوتها مدينة طنجة، أن الخطة العسكرية التي أدت إلى جرائم حرب خطيرة بالمغرب على يد الجيش الفرنسي جرى التخطيط لها في طنجة. ومن بين الأسرار أيضا، أن بعض ضباط المخابرات الفرنسية كانوا يستقرون في طنجة بغطاء مدني، مدعين أنهم تجار أو مستثمرون، والحقيقة أنهم كانوا يبحثون عن بعض الأسماء التي فرت من الداخل إلى طنجة للاحتماء هناك إلى أن تنجلي أزمتهم إما مع الحماية الفرنسية بعد 1912، وإما مع المخزن. وهؤلاء المخبرون الفرنسيون كانوا منتشرين بكثرة في طنجة، وقاموا باعتقال مواطنين مغاربة على مدى سنوات قبل نجاحهم في الفرار إلى خارج المغرب من ميناء طنجة.

غضبات وديان طنجة تغرق المدينة بسيول جارفة
لكل مدينة نهر ينام طويلا ويستيقظ ليزرع الرعب في السكان، ويضع المسؤولين أمام إشكالية تدبير خطر الفيضانات خلال فصل الشتاء، واتخاذ الإجراءات العملية والوقائية لحماية السكان وممتلكاتهم.
في مدينة طنجة أجبرت الأودية النائمة السلطات منذ أن كانت المدينة تحت الوصاية الدولية على خلق خلايا لليقظة، تحسبا لغضبات واد ليهود وواد السواني وواد مغوغة وواد الملالح أو المصابن ثم واد حسنونة، من أجل تسهيل عملية تصريف مياه الأمطار.
عانى سكان طنجة الأولون من غارات الوديان حيث غرقت مرارا دار الحمامات قرب باب طياطرو التي يمر عليها واد حسنونة، وكانت البناية المتواجدة عند بداية عقبة الخروبة تضم بعض المنشآت اليهودية خصوصا المعهد الديني، الذي كان يدعى بارتشيلو وبعض المحلات التجارية التابعة للطائفة اليهودية بطنجة، وهي المستهدفة من السيول الناتجة عن النشاط السنوي للوادي.
أمام هذا الاجتياح كان الأهالي يلجؤون لبرج كندال، الذي كان يوجد في منطقة حسنونة، وفي المعارك كان القواد يعملون على قطع إمدادات المياه التي كانت تصل إلى المدينة القديمة عبر وادي حسنونة الذي كان يمر عبر منطقة بيراندو ثم باب طياطرو مخترقا وسط المدينة القديمة في الحي الذي يسمى وادي أحرضان، وكان أكبر مزود للمدينة بالماء، وقد بقيت آثار هذا النهر إلى عهد قريب جدا بشارع إيطاليا.
كما اعتاد المحاربون في معاركهم على ساقية استعملت لتوفير الماء الشروب للخيول وللفرسان: «كانت تلك الساقية بجانب وادي حسنونة وعرفت في القرن العشرين بسانية الهاشطي وبوغابة، حيث ما بين القصر الحفيظي والكنيسة. ثم جاءت الناعورة الحديدية كبديل». كما ورد في كتاب «مجاري المياه ودورها في المعارك..طنجة نموذجا»، للباحث الجامعي محمد السليغوة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى