الافتتاحية

نهاية كابوس

لم يكن أشد أعداء حزب العدالة والتنمية يتوقع هذا السقوط الشديد لحزب الإسلاميين الذي صدم خصومهم قبل أنصارهم، أن أسوأ التقديرات المتداولة، حتى الرسمية منها كانت تتوقع أن يخسر الحزب الحاكم 30 أو 40 مقعدا لكن أن يفقد 113 مقعدا ويتدحرج من الرتبة الأولى إلى الرتبة الثامنة مع سقوط أمينه العام ورموزه الانتخابيين من أعضاء الأمانة العامة ووزرائه، فإنّ هذه النتيجة الكارثية تطرح على حزب العدالة والتنمية تساؤلات عديدة وتدفعه إلى الدخول العاجل في مراجعات ونقد ذاتي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
والحقيقة الرئيسية التي أظهرتها استحقاقات الثامن من شتنبر هي نهاية مأساوية لكابوس حزب العدالة والتنمية الذي باع الأطنان من الوهم والجبال من الوعود الكاذبة للمغاربة قبل أن يستفيقوا على قرارات مجحفة، ففي أول انتخابات بمشاركة مكثفة، ظهر جليا أن الحزب لن يستطيع الصمود في وجه اتساع رقعة المشاركة، وأنه كان يختبئ وراء جدار العزوف الانتخابي لبناء مجده السياسي والبقاء في السلطة لأطول وقت ممكن.
بطبيعة الحال لن يستوعب الحزب الحاكم بسرعة هذا الزلزال القوي الذي هز أركان بيته، وحتما سيدخل في حالة من الصدمة النفسية وإنكار للواقع راميا بهذا الانتحار الانتخابي على المؤامرات والاستهداف والدسائس، والمحاضر والمال السياسي والداخلية والقضاء وأي شيء يتحرك أمامه. ورغم أن البيجيدي يعلم قبل غيره أن ما تعرض له هو عقاب سياسي طبيعي ونتيجة حتمية ومتوقعة عن سياساته وقراراته، لكنه سينكر ذلك وسيستدعي خلال الأيام الأولى من الصدمة بعض الحيل والآليات من أجل تلافي الشعور بالفشل الذريع، وفي نفس الوقت من أجل حماية ذاته من التهديد بالانحلال والتحلل.
وفي حقيقة الأمر، فإن ما وقع من عقاب انتخابي عسير رسالة واضحة تقول للبيجيدي إن السنوات العشر الأخيرة التي قضاها في السلطة مدعوما بسياقات خارجية وابتزاز داخلي، كانت متهافتة وغير مجدية وأن تجربة الإسلاميين في الحكومة والبرلمان والتدبير الترابي زادت الواقع تأزما ودفعت الكثيرين للسخط والاحتجاج. لذلك جاء جواب السيادة الشعبية في وقته متناسبا في حجمه مع منسوب الامتعاض والغضب من حزب وعد فأخلف، ولأن رغد السلطة أنساه وعود المعارضة، ولأنه استبدل لغة الأخلاق التي ربح بها الانتخابات السابقة بلغة القانون لتبرير الامتيازات، لأنه بدل أن يحارب الريع أكله وتمتع بمعاشاته وتعويضاته، وبدل أن يحارب الفساد اختار طريق عفا الله عما سلف. لأنه حارب التوظيف العمومي واعتدى على تقاعد الموظف وحرر الأسعار ووضع المواطن بين أنياب قانون السوق، سأصوت ضده لأنه حزب يأكل مع الذئب ويبكي مع الراعي، يقول الشيء ونقيضه، يبيع مبادئه بالامتيازات والأوهام ولأنه كذلك يحول الفشل إلى انتصار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى