الرئيسيةبانوراما

«نيباه».. رعب جديد قادم من الصين

تخوفات من تحول الفيروس الأشد فتكا من كورونا إلى جائحة مدمرة

سهيلة التاور
في ظل أزمة كورونا المستجد الذي اجتاح العالم وأودى بحياة الملايين، نشر تقرير جديد يحذر من «نيباه»، وهو اسم لفيروس آخر أشد فتكا من «كوفيد- 19»، إذ إنه يتسبب في قتل 75 في المائة من ضحاياه. غير المثير في هذا الفيروس هو أن الخفاش يعود ليقوم بدور الشرير في المسرح، ويكون سبب تفشي «نيباه»، مثلما سبق وكان أصل فيروسات سابقة ضمنها كورونا المستجد.

مقالات ذات صلة

يعتبر فيروس «نيباه» واحدا من 10 أمراض معدية من أصل 16 تم تحديدها من قبل منظمة الصحة على أنها أشد خطرا على الصحة العامة، إلا أنه لا توجد مشاريع لها من قبل شركات الأدوية.
ومن بين هذه الأمراض حمى الوادي المتصدع الشائعة بإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ومتلازمة الالتهاب التنفسي الحاد «سارس SARS»، ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية «ميرس MERS»، والأخيران هما مرضا الجهاز التنفسي تسببهما فيروسات كورونا، ولديهما معدلات وفيات أعلى بكثير من «كوفيد- 19»، ولكنهما أقل عدوى.

تاريخ «نيباه»
تم التعرف لأول مرة على فيروس «نيباه» سنة 1999، وكان ذلك في مزارع خنازير بماليزيا، ولم يجر رصد أي موجة تفش للمرض في هذا البلد الآسيوي منذ ذلك الحين.
وفي سنة 2001، تم رصد الفيروس في بنغلادش، وظل الأمر يتكرر بشكل شبه سنوي في هذه البلاد، كما جرى تشخيصه أيضا شرقي الهند.
لكن المخاطر لا تنحصر في هذه الرقعة الآسيوية، بل هي قائمة في دول كثيرة، لأن الفيروس موجود في خفافيش الفاكهة التي تنتشر في دول عدة كمبوديا وغانا وإندونيسيا ومدغشقر والفلبين وتايلاند.
وعندما تم رصد الفيروس في ماليزيا لأول مرة، وكانت سنغافورة قد تأثرت بدورها، تبين أن أغلب الإصابات البشرية نجمت عن اتصال مباشر بالحيوانات أو التعرض لإفرازاتها.
أما في بنغلادش، فانتقلت العدوى عن طريق عصير النخيل، ورجح العلماء أن يكون بول هذه الخفافيش أو لعابها هما اللذان أديا إلى وصول الفيروس إلى الإنسان، وبالتالي فهما مصدر الإصابة.
وفي وقت لاحق، انتقل الفيروس من إنسان إلى آخر، سيما عندما يتعرض أحدهما إلى إفرازات الآخر، وفي الهند، تم الإبلاغ عن إصابات وسط موظفي القطاع الصحي الذين يرعون المصابين.
في بنغلادش مثلا، تبين أن ما يقارب النصف من إجمالي الإصابات بفيروس «نيباه» بين سنتي 2001 و2008، كانت ناجمة بالأساس عن الانتقال من الإنسان إلى الإنسان، وتم ذلك وسط من يقدمون الرعاية الطبية.
وفي سنة 2018، كان تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية قد حث على تسريع البحوث بشأن فيروس «نيباه» حتى لا يكون مباغتا لعالمنا، في حال انتشاره.
أعراض «نيباه»
من شأن فيروس «نيباه» أن يحدث مشكلات تنفسية شديدة لدى المصاب، إضافة إلى التهاب وانتفاخ في الدماغ، فيما تتراوح نسبة الوفيات الناجمة عن المرض بين 40 و75 في المائة.
وتشمل الأعراض الإصابة بألم في العضلات إلى جانب الشعور بالدوار، وربما يدخل المريض في غيبوبة خلال مدة بين 24 و48 ساعة.
ويرجح العلماء أن تكون فترة حضانة الفيروس بين أربعة وأربعة عشر يوما، لكن بعض التقارير رصدت فترة حضانة أطول في بعض الحالات وصلت إلى 45 يوما. وفي حال تمكن المصاب من الشفاء، فإنه يستعيد عافيته بشكل كامل، لكن بعض المتعافين أبلغوا عن تأثيرات بعيدة المدى رافقت صحتهم.
وترجح البيانات في الوقت الحالي أن 20 في المائة من المرضى المتعافين يعانون تبعات عصبية مزمنة، مثل نوبات الصرع، وحتى التغير في شخصية الإنسان.
وفي المقابل، تقول منظمة الصحة العالمية إن نسبة محدودة فقط من المتعافين يعانون التهابا في الدماغ، بعد التماثل للشفاء التام.
ومن عراقيل التصدي لهذا المرض، أن الأعراض التي تظهر على المصاب تشبه أعراض أمراض أخرى كثيرة، وهو ما يعني أن رصد أي تفش لهذه العدوى سيكون أمرا معقدا.
ويمكن تشخيص الإصابة بهذا الفيروس عن طريق فحص «تفاعل البوليميراز المتسلسل» في إفرازات جسم الإنسان، كما يمكن رصده أيضا عن طريق الأجسام المضادة، ويجري ذلك عن طريق تقنية مناعية مرتبطة بالأنزيمات.
ولا يوجد أي دواء خاص بفيروس «نيباه» في الوقت الحالي، كما لا يوجد أيضا أي لقاح يحمي بشكل مسبق من هذا الخطر الصحي القائم، ولذلك فإن المطلوب، بحسب خبراء، هو الاستثمار في العلم وإيلاؤه ما يكفي من عناية لأجل استباق المخاطر، حتى لا يتكرر كابوس الوباء الذي عشناه، وربما بصيغة أكثر ترويعا.

هلع على وسائل التواصل الاجتماعي
نشرت صحيفة «الغارديان» البريطانية مقالا، قبل أيام، تحدثت فيه «عن غياب العلاج لفيروس خطير موجود منذ أعوام، ويمكن أن يشكل خطرا وبائيا على العالم». وهدف المقال هو إلقاء الضوء على غياب الأبحاث، وتكرار الأخطاء التي ارتكبناها مسبقا. الهدف أن نستبق أي جائحة مقبلة.. ولم يتحدث المقال أبدا عن جائحة حالية، كما حرفت معظم الأخبار الأمر.
ورغم أن فيروس «نيباه» لا يزال انتشاره محدودا في العالم، إلا أن الأمر لم يخل من بعض التحذير من علماء، حيث تقول سوبابورن واشارابلوسادي، مديرة مركز العلوم الصحية للأمراض المعدية الناشئة التابع لجمعية الصليب الأحمر التايلاندي، إن «هذا الفيروس مصدر قلق كبير لأنه ليس له علاج، ومعدل الوفيات الناجم عن الإصابة به مرتفع». إذ يتراوح معدل وفيات فيروس «نيباه» بين 40 و75 في المائة، بحسب المكان الذي يتفشى فيه.
وتناقل المغردون بكثرة أن مصدر الفيروس الجديد هو الصين مجددا، فسخر البعض من الخبر معتبرا أن مصير البشر سيكون مشابها للديناصورات. واعتبر آخرون أن على «الصين أن تعوض العالم عن أي خسارة قادمة، وعليها دفع ثمن نشرها للأمراض».
الحقيقة لم يشر مقال صحيفة «الغارديان» بتاتا إلى أن مصدر الفيروس الأساسي هو الصين، بل إن بعض التقارير تشير إلى أن فيروس «نيباه» قد تفشى في الماضي بالهند وبنغلادش، وأن الأخيرة سجلت 11 حالة تفش لفيروس «نيباه» من عام 2001 إلى 2011، أسفرت عن إصابة 196 شخصا، مات منهم 150 مصابا.
وتعد آسيا بؤرة للكثير من الأمراض المعدية الناشئة المكتشفة أخيرا لأسباب عديدة، منها أن المناطق الاستوائية التي تتميز بثرائها بالتنوع الحيوي، تغص بمسببات الأمراض التي تهيء الفرص لظهور فيروسات جديدة. وأسهمت الزيادة السكانية، وتزايد فرص الاحتكاك بين البشر والحيوانات البرية في هذه المناطق، في زيادة مخاطر انتقال العدوى.
وردا على التقرير، نفت الصين يوم الأحد 31 يناير 2021 أن يكون فيروس «نيباه» الفتاك القاتل وسريع الانتشار فيروسا «صينيا»، مثلما تروج له بعض وسائل الإعلام. وأتى ذلك في بيان للسفارة الصينية بالقاهرة، «أشار إلى أن هذا الفيروس موجود في جنوب آسيا، وليس في الصين تحديدا»، مؤكدا على عدم وجود أي دليل علمي يسند هذه الادعاءات.

علاقة الخفاش بالفيروسات
في كل مرة ينتشر فيها فيروس جديد يعود الخفاش إلى مقدمة المسرح، فهذه الثدييات الطائرة أعجوبة من حيث المقاومة للأمراض المعدية، وقد سعت العديد من الدراسات إلى الكشف عن سر جهازه المناعي الفطري الاستثنائي.
فقد توصل العلماء إلى أن فيروس «سارس 2» الرهيب المسؤول عن وباء «كوفيد- 19» هو سليل الخفافيش، تحدر منها مباشرة أو عبر تحولات متتالية، قبل أن ينتقل عبر مضيف وسيط. ويشتبه علماء الفيروسات مدعومين بالتحليل الجيني في أن آكل النمل (البانغولين) قد يكون هذا الوسيط، بعد أن اكتشفوا فيروسا تاجيا مشابها بشكل كبير لفيروس «سارس 2» على جزء أساسي من الجينوم الخاص به، الذي يتوافق مع موقع الارتباط على مستقبلات الخلايا الرئوية البشرية.
ومع ذلك، فإن علماء آخرين يرفضون بشدة هذه الفرضية، لأن «أقرب فيروس معروف لـ«سارس 2» لا يزال حتى الآن «آر أي تي- جي 13»، الذي تم العثور عليه في الخفافيش بمنطقة يونان الصينية، حيث إن بينهما أكثر من 96 في المائة من القواعد المشتركة»، كما يقول ماسييج بوني، عالم الأحياء في جامعة ولاية بنسلفانيا.
ومع أن هناك الكثير من المجاهيل فإن الشيء المؤكد هو ارتباط هذا الفيروس بداية بالخفافيش، كما هو الحال بالنسبة إلى وباء «سارس» عام 2003، ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية عام 2012، وحمى «إيبولا» النزفية التي قتلت 11 ألف شخص في عامي 2014 و2015، ثم فيروس «ماربورغ» الذي أودى بحياة المئات في جمهورية الكونغو الديمقراطية وأنغولا، ثم فيروس «نيباه» القاتل في ماليزيا وسنغافورة وبنغلاديش في التسعينيات، وكذلك فيروس «هندرا» بأستراليا.
ولهذا الارتباط الظاهر بين الخفافيش والفيروسات لم تعد تسميتها «أصل الفيروس» مزحة، ونظرا لأن الخفافيش لا تصاب بمرض خطير من هذه الفيروسات، فإن البحث في مقاومة الخفافيش يمكن أن يساعدنا على مكافحة الأوبئة في المستقبل، وهذا هو اللغز.
وفي نتائج دراسة مقارنة كبيرة بشأن وجود الفيروس التاجي عبر المملكة الحيوانية، تبين أن من بين 12,333 خفاشا تم اختبارها كانت نتائج 1065 خفاشا إيجابية، مقارنة بأربعة من 3470 قردا، و11 من 3387 من القوارض واثنين من 1124 إنسانا.
وخلصت الدراسة التي قام بها فريق أمريكي في عام 2017 إلى أن 98 في المائة من الفيروسات التاجية التي تم العثور عليها جاءت من الثدييات الطائرة، كما أن 91 من أصل مائة نوع مختلف من الفيروسات التاجية المعروفة تم الحصول عليها من الخفافيش.
ورغم كل هذه الاستنتاجات فإن ميرياديغ لو جويل، عالمة الفيروسات بجامعة كاين، والتي قضت 20 عاما في مراقبة الخفافيش دعت إلى عدم التسرع في الحكم، لأن الخفافيش 1300 نوع وتمثل ربع جميع الثدييات المعروفة، مشيرة إلى أن هذه الحيوانات وجهازها المناعي تأثرت كثيرا بإزعاج البشر لنظمها البيئية.
وأضافت أن هناك مئات الأنواع من الخفافيش، وما يبدو مؤكدا هو أن بيئة هذه الخفافيش وجهازها المناعي – خاصة الطريقة التي جاء بها إزعاج البشر لنظمها البيئية- جلبت جميع العناصر المواتية لسلسلة من حالات الطوارئ.
فقد أصبحت هذه الحيوانات تعيش اكتظاظا شديدا وفي حركة مستمرة، مما «يسمح بانتشار الفيروسات وتنوعها، وبالتالي اكتساب الخفافيش مناعة القطيع»، سيما أن الفيروسات تنتشر في المستعمرات «على شكل موجات، وعلى إيقاع الفصول»، علما أن الحصانة المكتسبة لدى الخفافيش «لا تزال مجهولة إلى حد كبير بالنسبة إلينا».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى