الرأي

نيل الجنسية الأمريكية يوم فرح أم عزاء؟

السي محمد المغربي أرسل في الواتسآب لوالده صورته ضاحكا مستبشرا، وهو يتلقى من امرأة سوداء وثيقة نيله الجنسية الأمريكية؛ فهل هو يوم موت وعزاء؟ أم فرح وعرس؟
في الواقع هذا السؤال لم يطرحه على نفسه يوما السي محمد، لأنه خرج ولم يعد، وحين يتحدث مع من يحب في الأرض غير المحبوبة، يقول لست في نية العودة إلا زائرا فأزور من أحب ممن بقي على قيد الحياة، أما بقية ذكرياتي فهي كرب وضيق وفقر ونقر.
كان يا ما كان في قديم الزمان سلطان آل عثمان يخاطبه الصدر الأعظم: مولاي أدام الله ظله؛ إن ثمة تحولات في أوربا، نازلات صاعدات، ومن المناسب أن تزور أوربا، وتطلع على ما يجري فيها. فكان جواب الخليفة المقتدر بالله: إن سلطان المسلمين لا يزور أوربا إلا فاتحا. كان هذا أيام زمان ولكن الأتراك ولا المغاربة، لم يعودوا فاتحين بل مفتوحين، يتوسلون لأوربا أن تأخذهم وتفتحهم، بعد أن هرع أولادهم بكل سبيل وفي قوارب الموت يلتمسون حياة ممكنة، بعد أن لم تبق حياة في بلاد العروبة أوطاني. السيد العياشي نال إجازة الحقوق في المغرب ولكنه يعمل حاليا في سراجوسا في شغل نصفه فوق الطاولة وثلثيه تحت الطاولة، ولم يكن ثمة إمكانية لتثبيت وضعهم في بلاد (الصبليون) إلا بزواج أبيض على ورق.
نفس هذا الكلام أو شبيهه كان سلاطين الموحدين ومن بعدهم يرددونه وهم يتأملون مجريات الأحداث في أسبانيا المواجهة لهم. وكيف لا وقد أزالوا دولة البرتغال من الوجود في معركة أم المخازن؟
حاليا الأتراك والمغاربة معهم يحلمون بالانضمام إلى أوربا وأوربا ترفض. ومن يدخل أوربا من العمال الأتراك يشتغلون في أفظع الأماكن من جمع الأزبال أو مصانع الحديد وما شابه. المغاربة بدورهم ينتقلون بقضهم وقضيضهم إلى أرجاء المعمورة الأربعة خاصة أوربا. إيطاليا أخذت حصتها من أهل مناطق الفوسفاط، الناظور والريف امتلأ فاكتظ في فرنسا. حاليا تعتبر اللغة العربية الثانية في فرنسا بعد لغة فرانسوا، ولكن بالهضرة المغربية من كلمات شتى بين إسبانية (سيمانا) وفرنسية (جردة ـ داجوش ـ وتودوروا) وعربية وأمازيغية.
ألقيت محاضرة في خريبكة وسألت عن أهلها، قالوا لي معظمهم في إيطاليا؟ وكنت في زيارة لأحفير في أقصى الشرق، ولما سألت صديقي بوشعيب عن أخيه حسن؟ قال هرب في بطن حافلة لنقل الركاب، وكاد أن يهلك اختناقا في الطريق، ولكنه نجا من الموت فهو يعمل في باريس. سألت حسن الذي كان بالكاد يفهم (الهضرة ديالي) أراك تركب سيارة مرسيدس مستعملة؟ قال نعم . قلت له ماذا تعمل وقد ظننت أنه يعمل في (بزنيس) مهم؟ فأجاب معتدا واستخدم كلمة فرنسية وأنا لا أجيد منها حرفا؟ تعاون مع أخيه بوشعيب وقال جمع الأزبال.
كنت في ألمانيا لفترة تسع سنوات، وتعرفت على العديد من الأتراك ودخلت بيوتهم؛ فظننت نفسي أنني أعيش في القوقاز أو الأناضول، أو حلكو من سوريا (ريف تعيس).
كنت أحزن حينما أقارن مجد العثمانيين، وقد انقلب دور الأتراك فيه إلى متسولين، وعمال في بلاد الجرمان، كنت أكرر ارحموا عزيز قوم ذل. كتب المرزوقي التونسي معللا الإرهاب والتطرف وهو يتلقى جائزة تعايش الأديان في إيطاليا، بأنها أحقاد التاريخ المتراكمة؟ أما الحل فاعترف بعد كلمات كثيرة طويلة أن ليس ثمة حل ولا على المدى الطويل، إنما ألوان من المقاربات من التنمية والتربية والإصلاح الديني، ولعل خطبة الجمعة تأتي في مقدمة عتبات الإصلاح بتغيير نظم الخطاب الديني من وعظي عدواني إلى سلامي روحاني.
نفس الوضع ينطبق على المغاربة، والسي محمد الذي فرح بنيل الجنسية الأمريكية، يمثل جيلا مشردا هاربا، يبحث عن الحياة بعد أن لم تبق في بلده حياة.
لماذا الهرب؟ الجواب جحيم الشرق. حاليا من يهرب من سوريا ليسوا مغاربة ولا أتراكا بل سوريون؟ لماذا لأن براميل بشار حولت حياتهم إلى كارثة كونية، بعد أن قتل منهم 470 ألفا، وأضاف إليهم مليوني مقعد مشلول، ومقطوع السيقان، ومبتور الأيادي، ومفقوء العيون، ومعهم ستة ملايين تلميذ بدون مدرسة، فوقهم اثني عشر مليون مهجر بما لم تفعله الصهيونية والموساد منذ سبعين عاما. فهل نفهم لماذا يهرب المواطن العربي من سفينة تغرق مذكرة بغرق التيتانيك؟
حاليا يفرح المواطن المغربي حين يهرب، ويحبس نفسه خمس سنين في بلاد اليانكي، حتى يتصدق عليه بالورقة الخضراء أو الجنسية، ولكنه في الواقع إعلان مريع عن موت مجتمع الشرق بعد رحلة التشظي.
إننا في الواقع أمم ميتة عاجزة، وحكومات مفلسة غارقة في الديون، وفقيه غائب عن العصر، أو في أفضل أحواله موظف جاهز للفتوى على القياس.
وطن يضم مواطنا أقرب للعمى، مسكينا ويتيما وأسيرا، غارق في همومه اليومية، ليس ثمة أمل في مستقبل لأولاده، بجنبه مثقف مدجن، يقرأ في العموم من صحافة مرتزقة، ومسؤول أصم، ومشاكل وأزمات فوق طاقة الحل، وانفجار سكاني مع جيل شبابي ينتظر الوظيفة والعمل والرزق وبناء عائلة سعيدة وتعليم جيد وطبابة معقولة، وكله خارج العمل معطل الوظيفة تقريبا، حتى الخدمات الأساسية تعمل بالكاد من كهرباء وماء ونظافة وهندسة شوارع وتغطية الحفر والنقر في الشوارع ولو ترقيعا.
أعجبني قول جار لي نشيط، أن البلديات حين تسمع بقدوم المسؤول تعمد إلى إصلاح وسد حفر الشوارع التي سيمر منها المسؤول الهام.
ومن يعيش هم شريحة صغيرة علوية مقتطعة، من جمهور غاضب يملأ الشوارع، في بطالة ضاربة، وفقر مدقع، ووظائف وهمية، وأمراض بدون مصحات، ومستقبل محمل بمخاطر انفجارات لا تبقي ولا تذر، ومنه نفهم لماذا فرح السي محمد المغربي بحصوله على جنسية اليانكي عند العم أوباما. فقد يأمن على نفسه في يوم الزلزلة، يوم لا ينفع مال ولا بنون ألا من أتى أمريكا بقلب سليم.
هذه هي قصة معظم العالم العربي، أما بعض دول الخليج التي تسبح في الثراء فهي تعتمد على صدفة جيولوجية بحتة لا يرجع غناها لتعب وعرق وكدح، وهذا بالطبع لن يدوم. وهذا يعني أن المستقبل هو للكادحين وليس الكسالى النائمين. وخلال نصف قرن القادم ستنهض الشعوب الكادحة فتتخلص من أسار الفقر وربقة الديون وعظيم الهموم وإنه لقادم بالتأكيد، وأما شعوب الخليج حيث البيئة العدوانية من نقص مياه وحر ضارب وبيوت تعتمد على المكيفات ليلا نهارا صيفا شتاء فلن يبقى منها ساكن.
في القرآن حديث مؤثر عن موت حضارات من هذا النوع بتعبير: أولم يسيروا في الأرض فينظروا..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى