شوف تشوف

الرأي

هضبة الجولان لكل السوريين وليست للأسد وحده

لم يفاجئنا بنيامين نتنياهو رئيس وزراء دولة الاحتلال الاسرائيلي بعقده جلسة لمجلس وزرائه في هضبة الجولان العربية السورية المحتلة، وإعلانه بأنها ستظل إلى الأبد تحت السيادة الاسرائيلية، ولكن ما فاجأنا حقيقة هو أن هذه الغطرسة لم تثر أي اهتمام على الصعيدين الرسمي والإعلامي العربيين، الا في ما ندر، وكأن هذه الهضبة تخص الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه، وليس ما يقرب من نصف مليار مواطن عربي من بينهم 25 مليون سوري في الوطن والمنافي.
الوقاحة، أو بالأحرى، الاحتقار، من قبل نتنياهو للعرب والمسلمين جميعا، والسوريين، بكل مشاربهم خاصة، بلغت درجة وصف الوجود السوري في الهضبة بأنه «احتلال» استمر 19 عاما، وأن حكومات بلاده حولتها إلى جنة خضراء، وواحة للتنمية والإعمار، ولا نعرف ما إذا كان مسؤولون عرب قد اتصلوا به مهنئين ومباركين خطواته وتصريحاته هذه، بعد أن بات «حليفا» لهم، وعضوا أصيلا في تحالفهم الجديد، ولن نستغرب على أي حال إذا ما فعلوا ذلك.
ندرك جيدا أن سوريا تواجه خطر التقسيم والتفتيت تحت عناوين شتى أبرزها «الفدرلة»، بهدف إلغاء دورها كقوة إقليمية في وجه الاحتلال الاسرائيلي، مثلما ندرك أن بعض المحسوبين على المعارضة السورية باتوا يعتبرون دولة الاحتلال حليفا وصديقا لهم، ويعدها بعضهم، بأنهم سيقدمون لها الجولان هدية في حال تدخلت لصالحهم لإسقاط النظام، ولا يغيب عن أذهاننا مطلقا صورة أليمة تتمثل في قيام نتنياهو بزيارات إلى الجرحى السوريين الذين يعالجون في مستشفيات اسرائيلية، ولكن سورية ستظل سورية في نهاية المطاف، وستتعافى مجددا، وتنهض من كبوتها، وتستأنف دورها الحضاري الذي امتد لأكثر من ثمانية آلاف عام، هزمت خلالها العديد من الغزاة، وتأسست على أرضها امبراطوريات حملت إحداها رسالة الإيمان المحمدية إلى مختلف أصقاع الأرض.
نتنياهو يقول إن هضبة الجولان ستظل تحت السيادة الاسرائيلية إلى الأبد، ولكن أي «أبد» هذا الذي يتحدث عنه، وكم سيطول؟ عشر سنوات؟ ثلاثين؟ مئة؟ وهل يعتقد أن الحكام «النواطير» الذين يحمون حدود احتلاله، ويتنازلون عن الأرض والعرض، سيعمرون لألف عام مثل سيدنا آدم، عليه السلام مثلا؟
أليس من حقنا أن نسأله عن مصير الامبراطوريات الرومانية والبريطانية والفرنسية والسوفياتية؟ فهل عمرت هذه إلى الأبد، وهل دولته التي تستمد الحماية وأسباب البقاء من غيرها أكثر قوة؟
سوريا لم تقع حتى يشحذ نتنياهو وغيره سكاكينهم لتقطيع أوصالها، وأخذ نصيبهم منها، سوريا ستظل شامخة، أبية، عزيزة، مقاومة، عربية، اسلامية، وستتجاوز هذه المحنة مثلما تجاوزت ما هو أخطر منها، فشعبها شعب الجبارين، وأرضها تحتضن رفات رجال عظام تعتز بهم، ويكفي أن نذكر صلاح الدين، وسيف الله المسلول خالد بن الوليد.
• نتنياهو يعيش ومستوطنوه أسوأ أيامهم، خوفا من المستقبل المرعب الذي ينتظرهم، فأيا كانت نتيجة الأزمة السورية، فإنهم سيدفعون ثمنا غاليا في نهاية المطاف من أمنهم واستقرارهم، وسيكون مشهد اللاجئين السوريين الذين يتدفقون إلى الملاذات الآمنة في الغرب ودول الجوار، مشهدا متواضعا بالنسبة لما يمكن أن يحدث للمستوطنين الاسرائيليين في ما هو قادم من أيام من جراء غطرسة حكامهم، وإغلاقهم كل أبواب السلام والتعايش.
فهذه الفوضى الدموية التي بذرت بذورها أمريكا في سوريا والعراق والمنطقة بأسرها، وآلاف الأطنان من الأسلحة من شتى الأنواع والأحجام، وهذه الخبرات القتالية العالية على جانبي خط القتال، كلها ستتوجه نحو العدو الحقيقي للأمة الذي يحتل الأرض، ويمارس كل أنواع الإذلال ضد أهلها الأصلاء.
أكثر من ثلاثة آلاف رأس نووي لم تمنع انهيار الاتحاد السوفياتي، وتطوير النظام العنصري الجنوب أفريقي قدرات نووية لم يحل دون سقوطه، وغزو أكثر من 200 ألف جندي أمريكي للعراق لم يطل أمد احتلاله أكثر من ثمانية أعوام، فهل نتنياهو أقوى من أمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا؟
المشكلة لن تكون هضبة الجولان واحتلالها فقط، وإنما استعادة كل فلسطين التاريخية لأصحابها، أيا كانت ديانتهم وعقيدتهم، وإقامة دولة التعايش والتسامح والمساواة بعيدا عن كل الممارسات العنصرية التي نراها حاليا في أبشع صورها.
ألم يقل نتنياهو أنه سيبقى في جنوب لبنان إلى الأبد؟ ألم يؤكد ارييل شارون أن غزة جزء من اسرائيل ولن ينسحب منها؟ ألم يحتل موشيه ديان سيناء في أيام معدودة عام 1967 وأقام فيها مستوطنة «ياميت»؟
من أذلوا قوات الاحتلال الاسرائيلي في جنوب لبنان وقطاع غزة، ومن أعدوا المقابر لدبابات الميركافا الاسرائيلية الأحدث، ودمروا أسطورتها، ومن أجبروا ستة ملايين اسرائيلي على اللجوء إلى الملاجئ هربا من الصواريخ التي انهالت عليهم من الشمال والجنوب، هؤلاء سيستعيدون هضبة الجولان أيضا، وكل الأرض العربية والاسلامية المحتلة سلما أو حربا، والأيام بيننا يا سيد نتنياهو.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى