شوف تشوف

الرأي

هل وقع أوباما شهادة وفاة العلاقة الاستراتيجية مع الرياض؟

لا نعرف بالضبط كيف كان اللقاء «التاريخي» بين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وضيفه الأمريكي باراك أوباما، وربما نحتاج للانتظار عدة أسابيع، أو أشهر، أو حتى سنوات، لنطلع على التفاصيل، في صحف أمريكية أو غربية، وليس عربية حتما. فهل ضرب العاهل السعودي الطاولة غضبا، مثلما فعل أخوه الراحل الملك عبد الله أثناء لقائه هذا، وقال له «لا خطوط حمراء منك مرة أخرى يا فخامة الرئيس»، مثلما أبلغنا الأمير تركي الفيصل، رئيس المخابرات الأسبق، عن هذه الواقعة بعد ثلاثة أعوام تقريبا في مقاله الغاضب، أو العاتب، الذي نشره في الزميلة «الشرق الأوسط»، ورد فيه على مقابلة الرئيس الأمريكي لمجلة «أتلانتيك».
وكالة الأنباء السعودية الرسمية كانت «مقترة جدا» في إعطاء أي تفاصيل كعادتها منذ تأسيسها قبل نصف قرن، ولكن المقدمات يمكن أن تقدم قراءة صحيحة للنتائج، فكان لافتا أن العاهل السعودي لم يكن في مطار الرياض على رأس مستقبلي الرئيس أوباما، مثلما فعل أثناء استقباله في اليوم نفسه، ملوك وأمراء قادة الدول الخليجية المشاركين في القمة، واكتفى بإرسال أمير منطقة الرياض، الأمير فيصل بن بندر آل سعود ليقوم بالمهمة، الأمر الذي يعكس رسالة تنطوي على عدم الاهتمام، ولا نقول «الاحتقار» للرئيس الأمريكي.
عندما وصفنا زيارة الرئيس أوباما إلى الرياض بأنها «تاريخية»، فإننا نقصد أنها ربما تشهد «دفن» العلاقة الاستراتيجية بين البلدين التي استمرت أكثر من ثمانين عاما، وبدء مرحلة جديدة مختلفة كليا، لأن الأعمدة الرئيسية الثلاثة التي قام عليها التحالف الاستراتيجي بين البلدين، وهي محاربة الشيوعية، ومحاربة القومية العربية المتطرفة التي تعطي أولوية للتصدي للاحتلال الاسرائيلي، وأخيرا النفط، انهارت ولم يعد لها أي وجود.
الشيوعية ورمزها، الاتحاد السوفييتي، بدأ انهيارها في أفغانستان، وأصبحت تاريخا، ومعظم الأنظمة العربية التي ارتكزت على الفكر القومي جرى تغييرها بفعل التدخلات العسكرية الأمريكية في العراق وليبيا، بدعم سعودي خليجي، والمحاولات نفسها مستمرة في سورية، وحتى الدولة القُطرية التي زاحمت الحلم القومي والوحدة العربية، باتت مهددة بالتفسيخ والتفتت.
وإذا كان النفط، السلاح السعودي الأقوى في التعاطي مع الغرب، فإن أهمية هذا السلاح بدأت تتآكل، ليس بسبب انهيار أسعاره، واستسلامه لصعود النفط الصخري البديل، ومصادر الطاقة الأخرى، وإنما لبروز القوة الايرانية العراقية المشتركة إلى جانب الحليف الروسي كمنافس قوي للزعامة النفطية السعودية، وانهيار مؤتمر الدوحة النفطي قبل أيام بسبب عجز السعودية عن فرض شروطها وإملاءاتها، مثلما كانت تفعل في منظمة «أوبك» منذ تأسيسها، هو أحد الأدلة.
السعوديون لم يكنّوا أي ود للديمقراطيين في أمريكا وكانوا دائما يعتبرون الحزب الجمهوري حليفهم التقليدي، والرئيس أوباما الديمقراطي لم يخف عداءه للسعودية، واعتراضه على سياساتها منذ أن كان سيناتور لولاية شيكاغو، عندما ألقى خطابا عام 2002 وطالب فيه الرئيس جورج بوش الابن بأن يطالب حلفاء أمريكا في الرياض والقاهرة بوقف قمع شعوبهم، قبل أن يقدم على غزو العراق، كما تعهد في حملته الانتخابية للرئاسة بوقف اعتماد أمريكا على النفط السعودي، ونفذ وعده.
ثلاث محطات أساسية تؤشر على انتهاء العلاقة الاستراتيجية بين السعودية وأمريكا:
الأولى: تمثلت في تراجع الرئيس أوباما عن توجيه ضربات جوية إلى دمشق لإطاحة نظام الرئيس بشار الأسد بعد اختراقه خطوطه الحمر واستخدام أسلحة كيماوية «مفترضة» ضد المعارضة السورية عام 2013 على غرار ما فعل في ليبيا.
الثانية: الاتفاق النووي الأمريكي الإيراني الذي رفع العقوبات عن طهران، وأعاد تأهيلها، وعودتها إلى المجتمع الدولي، وإسقاط صفة الدولة الارهابية «المارقة» عنها.
الثالثة: المقابلة المطولة التي أدلى بها الرئيس أوباما إلى مجلة «أتلانتيك» (19 ألف كلمة)، واتهم فيها السعودية بنشر الفكر الوهابي المتطرف، والتأكيد على أن الغالبية الساحقة من منفذي هجمات سبتمبر عام 2001 (15 من 19) كانوا من السعوديين وليس الإيرانيين، ومطالبته السعودية بالتوصل إلى «سلام بارد» مع إيران، واقتسام منطقة الشرق الأوسط معها.
السعودية كانت تأمل أن تستمر أمريكا في الاعتراف بقيادتها لمنطقة الشرق الأوسط، بعد تراجع القوة العراقية، وانهيار مصر اقتصاديا، وتراجع دورها الإقليمي، وخروج سورية من المعادلة بعد خمس سنوات من حرب أنهكت جيشها، وهجرت ربع سكانها، ولهذا عارضت، وتعارض أي شراكة قيادية مع إيران التي تعتبرها الخصم اللدود، وهذا ما يفسر حالة الهوس السعودي الحالية في تشكيل تحالفات إسلامية وعربية بزعامتها، وإعلان الحرب على كل من يشق عصا الطاعة عليها، ويتحالف مع إيران، مثلما هو حادث في اليمن وسورية ولبنان.
إدارة الرئيس أوباما وجهت رسالة قوية إلى القيادة السعودية قبل وصول رئيسها إلى الرياض تمثلت في تسريب أنباء عن عزم الكونغرس تمرير تشريع يسمح بمقاضاة أهالي ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر السعودية أمام محاكم أمريكية، وأكد سيمون هندرسون الكاتب المتخصص في الشؤون السعودية مقالا في مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، أن مصادر أمريكية وبريطانية أبلغته أن أميرين سعوديين كانا من ممولي تنظيم «القاعدة» منذ عام 1996، ليس من جيبهم الخاص، وإنما من أموال الخزينة السعودية، في تلميح إلى أن الصفحات الـ28 التي جرى إخفاؤها من تقرير تحقيقات الكونغرس ربما تضمنت هذه الحقائق.
صحيح أن الرئيس أوباما أكد أنه سيستخدم «الفيتو» لمنع مرور هذا القانون، ولكنه راحل عن السلطة بعد بضعة أشهر، وربما يأتي رئيس آخر لا يتخذ الموقف نفسه، والرسالة واضحة تقول للقيادة السعودية لا تخترقوا الخطوط الحمراء، وتقدموا على ردود فعل انتقامية مثل سحب 750 مليار دولار من السندات والاستثمارات الأمريكية، مثلما هدد السيد عادل الجبير وزير الخارجية.
الملك سلمان لم يرتح للقائه مع أوباما قبل عام في البيت الأبيض، ولم يرتح له عندما جاء معزيا بالملك الراحل عبد الله، وقطع حديثا معه على هامشها بطريقة وصفها مرافقوه، (أي أوباما)، بأنها لم تكن دبلوماسية، وبررها مساعدو الملك سلمان بالقول إنه ذهب إلى الصلاة، ومن الطبيعي أنه لم يرتح له بعد كل ما قاله في حديثه مع مجلة «أتلانتيك»، وقبلها في مقابلته مع الصحافي الأمريكي توماس فريدمان، خاصة الفقرة التي أكد فيها أن الخطر الداخلي الذي تواجهه السلطات السعودية، والمتمثل في تهميش شبابها وعدم تمتعهم بالحريات والشراكة في تقرير مصيرهم أكبر بكثير من الخطر الخارجي المتمثل في إيران، ولكن أوباما في المقابل لم يشعر بأي مودة تجاه ضيفه السعودي أيضا، ولا بد أنه سمع عن استخدام بعض المسؤولين السعوديين والخليجيين وصفه بـ«العبد» بسبب جذوره الإفريقية، فجذوره تعود إلى كينيا، وعاش في إندونيسيا، ويعرف المنطقة وأدبياتها جيدا.
أوباما يزور السعودية لتوقيع شهادة دفن العلاقة الاستراتيجية الخاصة بين البلدين، مثلما قالت مجلة «فورين بوليسي» في عددها الأخير، ويخطئ كل من يعتقد أن أي رئيس أمريكي جديد سيعيد إحياءها، خاصة إذا كان دونالد ترامب العنصري الذي يريد منع المسلمين من دخول أمريكا، وإرغام السعودية على دفع ثمن الحماية الأمريكية لها، أو هيلاري كلينتون الديمقراطية التي ستتبع نهج معلمها أوباما.
من يضع السياسات الأمريكية، ويرسم خريطة تحالفاتها في الخارج شيء اسمه «المؤسسة»، وما على الرؤساء إلا التنفيذ.
كيف ستتعاطى القيادة السعودية مع هذا التطور الجديد والخطير؟ لا نملك إجابة، ولكن كل ما نستطيع قوله أن سياسات «الحرد» والابتعاد عن الثوابت العربية، والاعتقاد المتزايد بأن التحالف مع اسرائيل ربما يكون البديل الأفضل، ستعطي نتائج عكسية. لا بد من سياسة جديدة ترتكز على كيفية تأسيس مشروع عربي وطني سياسي وعسكري، عماده الأول القضية الفلسطينية، وإنهاء الاحتكار الإيراني لها، واعتماد «الحوار»، وليس المواجهة مع دول الجوار، واحترام الشعوب الأخرى بعيدا عن الغطرسة، حتى يتعزز هذا المشروع ويقوى، وبعدها لكل حادث حديث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى