الرأي

وزراء في حكومة هادي يبحثون عن «ملاذات آمنة»

كان أمرا محزنا أن يخاطب كل من الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح وحليفه الحوثي مظاهرات مليونية عبر شاشات محطات تلفزيونية تابعة لهما، غطت هذا الحدث غير المسبوق في تاريخ اليمن الحديث، بينما لا يجد الرئيس اليمني «الشرعي» عبد ربه منصور هادي شاشة واحدة لمخاطبة اليمنيين في الذكرى الأولى «لعاصفة الحزم» السعودية التي أطلقت العنان لطائراتها في غارات جوية، تحت عنوان رئيسي، هو إعادته إلى قصره في صنعاء وإخراج القوات «المحتلة» منها.
بينما يخرج الرئيس صالح من «مخبئه» ويخاطب مئات الآلاف من أنصاره تجمعوا في ميدان السبعين، وازدحمت بهم الشوارع الجانبية المؤدية إليه، في بث تلفزيوني حي، وتبث قناة «المسيرة» التابعة لحركة «انصار الله» الحوثية مظاهرة أخرى ضخمة في منطقة الروضة مساء، وكلمة صالح الصماد رئيس اللجنة السياسية، لا يجد الرئيس اليمني هادي إلا صفحته على «الفيسبوك» لكي يخاطب شعبه ومن فندق في العاصمة السعودية الرياض، فأي «عاصفة» هذه التي لا توفر شاشة تلفزيونية للرئيس الذي تنتصر له.
«عاصفة الحزم» التي بدأت بعد شهرين من تولي العاهل السعودي الحكم، وسط ضجة إعلامية عنوانها الأبرز يقول إن «عقيدة سلمان» مختلفة، وسيكون عمادها استخدام القوة للتصدي لأعداء المملكة، ووضع إرث كل الملوك السابقين جانبا، ووقف التمدد الإيراني، وإعادة الرئيس اليمني الشرعي إلى عاصمته، والقضاء على الانقلاب الذي أطاح به وحكومته، ولكنها بعد عام، ومن خلال ما شاهدنا من مظاهرات، وما لمسناه من العديد من الاتصالات واللقاءات مع شخصيات يمنية ومواطنين عاديين، يمكن القول إن النجاح الأكبر الذي حققته هذه “العاصفة” حتى الآن هو زيادة كراهية الأغلبية الساحقة من اليمنيين للجار السعودي الشمالي، وخلق ثأرات ونعرات انتقامية ضده ربما تطول وتمتد لثلاثة أجيال قادمة على الأقل.
صديق يمني مقيم في لندن، أكن له الكثير من المودة والاحترام والتقدير، ومعروف بحكمته ومعارضته القوية للرئيس علي عبد الله صالح والحوثيين معا، قال لي إن عددا كبيرا من اليمنيين الذين لجؤوا إلى السعودية، ومن بينهم وزراء في حكومة هادي يستنجدون له لإيجاد ملاذات آمنة لهم في أوروبا للجوء إليها والعيش فيها، بعد أن فقدوا الأمل كليا من العودة إلى بلادهم، وضاقوا ذرعا ببعض الممارسات والمعاملات التي يواجهونها من “كفيلهم” السعودي، ويؤكدون له أن لا جواز السفر “الدبلوماسي”، ولا الأموال التي باتت في حوزتهم أصبح لهما أي قيمة، بعد أن تبلورت لديهم قناعة راسخة بأن هذه الحرب باتت مفتوحة النهايات، ولا منتصر فيها، وأن السعودية لن تستمر فيها طويلا، وهي تبحث حاليا عن مخرج، أي مخرج، يوقف نزيفها المادي والبشري والسياسي، لأن إمكانيات الحل السياسي باتت شبه معدومة، وهذه الأزمة ستفرخ أزمات وحروب عديدة.
لا نعتقد أن التحالف الذي تقوده السعودية سيتقدم نحو صنعاء بعد أن شاهد هذه الحشود الضخمة، وغير المسبوقة لليمنيين المتظاهرين ضد “العدوان”، كما أن طائراته ستتوقف، أو تخفف حدة القصف على أسواق ومستشفيات وأعراس، وتقتل الفقراء والمسحوقين العزل، وتصعد من الانتقادات الدولية والغربية، وتنبئ بعقوبات وغرامات دولية بعشرات المليارات، واتهامات بارتكاب جرائم حرب، بعد أن طفح الكيل ونفذ الصبر.
المفاوضات التي جرت في السر بين مسؤولين سعوديين ونظرائهم الحوثيين في الرياض، ونجحت في تهدئة الجبهات الحدودية، وتبادل أسرى، ربما تكون الخطوات الأولى نحو طريق الخروج السعودي من هذه “العاصفة” وتوفير بعض فرص النجاح للمفاوضات المتوقعة بعد أسبوعين بمشاركة أطراف النزاع، وتحت إشراف الأمم المتحدة، وما نستغربه أن هناك من الأشقاء السعوديين من يسخر من الحوثيين وصفقة تبادل الأسرى، ويقولون إن تسعة سعوديين أسرى مقابل 108 من اليمنيين، وينسى هؤلاء أن الخصم اليمني لم ينفق 200 مليار دولار على شراء طائرات وصواريخ ومعدات عسكرية هي الأحدث في العالم، فقليل من التواضع من فضلكم.
الشعب اليمني بكل ألوانه ومذاهبه وانتماءاته السياسية والقبلية بات أيضا يريد نهاية لهذه الحرب بعد الدمار المادي والبشري الذي تسببت به، يريد أن يستعيد دولته ومؤسساته، وامنه واستقراره، يريد وبكل بساطة أن لا يتحول اليمن إلى ليبيا أو صومال اخرى، وهذا قمة الحكمة والشعور بالمسؤولية.
ختاما أعرب عن شكري وامتناني الشديد لكل الأشقاء اليمنيين الذين رفعوا صوري في ساحات صنعاء، كتقدير منهم لوقوفي إلى جانبهم بقلمي ومشاعري ضد هذه الحرب، وأود أن أؤكد أنني اعتبر نفسي شقيقا وأخا وصديقا لـ”كل” اليمنيين، ولن أكون منحازا لأي طرف ضد آخر، ولكنني لن أتردد في الوقوف ضد العدوان، وفي خندق البسطاء الأبرياء الذين تمزق أجسادهم، وتقتل أطفالهم، وتدمر بيوتهم الطينية، وإرثهم الحضاري، صواريخ الطائرات.
اليمنيون جميعا أهل أعتز بهم، وكرمهم وشهامتهم، وشجاعتهم، فهم اصل العرب، ومنبت حضاراتهم، وسيظلون كذلك، وسيخرجون من هذه المحنة منتصبين مثل الرماح، مثلما خرجوا من محن سابقة اكثر منها خطورة، والأيام بيننا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى