فسحة الصيف

«البنسيلين».. اكتشاف ينقذ الملايين

صدف صغيرة صنعت اكتشافات كبيرة

نظريات واكتشافات علمية كثيرة كان يمكن أن تظل مجهولة مدة أطول لولا حدوث وقائع صغيرة صُدفة نقلتها من المجهول إلى المعلوم، وسجلتها في التاريخ كإحدى أعظم إنجازات البشر. صحيح أن العلم بالضرورة يناقض الصدفة، لكن تفاصيل الكثير من هذه النظريات والاكتشافات تظهر أن الحظ لعب دورا حاسما في نسبتها لهذا العالِم أو ذاك المخترع.

لاحظ فليمنغ أن البكتيريا تذوب حول الفطريات في المزرعة التي أعدها في المعمل واستنتج من ذلك أن هذه البكتيريا تفرز مادة حول الفطريات وأن هذه المادة قاتلة للبكتيريا العنقودية أطلق عليها اسم «البنسيلين»

اكتُشف «البنسيلين» سنة 1928 على يد الاسكتلندي الكسندر فليمنغ، الذي كان أول اكتشافاته مادة تدعى LYSOZYME عام 1922 وهي بكتيريا توجد في دموع الإنسان، إلا أن اكتشافه الأكبر وهو البنسيلين جاء مصادفة عام 1928 خلال أبحاث روتينية كان يجريها في معمله. لاحظ فليمنغ أن عفنا قد انتشر على طبق نسيه تحت الميكروسكوب، وأن هذا العفن الناتج أزال البكتيريا التي كانت موجودة سابقا. ومن التحاليل التي قام بها اكتشف فليمنغ تأثير العفن على البكتيريا وأنها تقضي عليها وبأنها غير سامة للإنسان أو الحيوان. وكان ذلك أول خطوة في اكتشاف خام «البنسيلين». وبعد ذلك تم استكمال الاختراع وتطويره حتى تم التوصل إلى اكتشاف «البنسيلين» الذي غير عالم الدواء فقد كان أول مضاد حيوي استفاد منه ملايين البشر وبعد ذلك أصبح أساس علاج كثير من الأمراض.

فليمنغ.. العالم والإنسان
لكسندر فليمنغ (1881 – 1951) هو مكتشف «البنسيلين» ولد في لوخفيلد باسكتلندا سنة 1881، وبعد تخرجه في المدرسة الطبية بلندن انشغل فليمنغ في دراسات التعقيم. وعندما التحق بالجيش في الحرب العالمية الأولى، كان مهتما بالجروح والعدوى، ولاحظ أن الكثير من المطهرات تؤذي خلايا الجسم أكثر مما تؤذيها الميكروبات نفسها. ولذلك أيقن أن الذي تحتاج إليه هي مادة تقضى على البكتيريا، وفي نفس الوقت لا تؤذى خلايا الجسم. وفي سنة 1922 بعد نهاية الحرب ذهب إلى معمله يستكمل دراساته واهتدى إلى مادة أطلق عليها اسم «ليسوزيم» هذه المادة يفرزها الجسم الإنساني، وهى خليط من اللعاب والدموع.
و هي لا تؤذي خلايا الجسم، كما تقضى على بعض الميكروبات، ولكن مع الأسف لا تقضى على الميكروبات الضارة بالإنسان. وعلى الرغم من طرافة هذا الاكتشاف فإنه لم يكن شيئا مهما. أما اكتشافه العظيم فقد حدث في سنة 1928، فقد تعرضت إحدى مزارع البكتيريا للهواء وتسممت. ولاحظ فليمنغ أنها تذوب حول الفطريات في المزرعة التي أعدها في المعمل. واستنتج من ذلك أن البكتيريا تفرز مادة حول الفطريات، وأن هذه المادة قاتلة للبكتيريا العنقودية. هذه المادة أطلق عليها اسم «البنسيلين» أي العقار المستخلص من العفونة وأن هذه المادة ليست سامة للإنسان أو الحيوان.
تزوج فليمنغ وكان سعيدا في حياته، وكان له ابن وحيد. في سنة 1945 فاز بجائزة نوبل وشاركه فيها كل من العالمين فلورى وتشين اللذين ساعدا في تيسير الحصول على هذا العقار وتوفى فليمنغ سنة 1955.

عشر سنوات من التجاهل
نشرت نتائج أبحاث فليمنغ سنة 1929 ولم تلفت النظر أول الأمر. وأعلن فليمنغ أن هذا الاكتشاف من الممكن أن تكون له فوائد طبية خطيرة. ولم يستطع أن يبتكر طريقة لاستخلاص هذه المادة أو تنقيتها. وظل هذا العقار السحري عشر سنوات دون أن يستفيد منه أحد.
وأخيرا في سنة 1930 قرأ اثنان من الباحثين البريطانيين هما هوارد فلورى وارنست تشين ما كتبه فليمنغ عن اكتشافه الخطير. أعاد الاثنان نفس التجارب وجربا هذه المادة على حيوانات المعمل. وفي سنة 1941 استخدما «البنسيلين» على المرضى. وأثبتت تجاربهما أن هذا العقار الجديد في غاية الأهمية. وبمساعدة من حكومتي أمريكا وبريطانيا تسابقت الشركة الطبية على استخلاص مادة «البنسيلين» بكميات ضخمة. وتوصلت هذه الشركات إلى طرق أسهل لاستخلاص المادة السحرية وإنتاج كميات هائلة وطرحها في الأسواق.
واستخدم «البنسيلين» أول الأمر لعلاج جرحى الحرب. وفي سنة 1944 أصبح في متناول المدنيين في بريطانيا وأمريكا، وعندما انتهت الحرب في سنة 1945 أصبح «البنسيلين» في خدمة الجميع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى