الافتتاحية

رقصة الديك المذبوح

كل ما يفعله ويقوله حزب العدالة والتنمية في الآونة الأخيرة من رمي وزارة الداخلية باتهامات الضغط على مرشحيه، واتهام حليفه الحالي التجمع الوطني بشراء المرشحين، لا يعدو أن يكون مجرد رقصة الديك المذبوح التي تمهد لهزيمة انتخابية بعد الثامن من شتنبر، وعودة الحزب الحاكم إلى حجمه الانتخابي الطبيعي، بعدما استفاد لمدة عشر سنوات من «ضوباج» انتخابي فرضه سياق إقليمي ووطني.
لا يريد حزب «المصباح» أن تكون هزيمته الانتخابية طبيعية، وجراء نفاد صبر المغاربة من الوعود الكاذبة والسياسات المجحفة، وغياب أي تغيير ملموس على الأرض طيلة سنوات التدبير الحكومي، التي تلت انتخابات 2011، هو لا يريد أن يتم الربط بين الهزيمة الانتخابية المتوقعة والتصويت العقابي، جراء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي ستكون السبب الأول في انهياره الانتخابي.
حزب العدالة والتنمية بالفعل استسلم حتى قبل الوصول إلى يوم الاقتراع لمصير الهزيمة الحتمية، لكنه يريد أن يلبس نكسته رداء المظلومية والضحية، ويغلفها بسرديات المؤامرات والدسائس والمكائد التي تحاك في الخفاء ضده من كل صوب وحدب. ولذلك حينما فقد حزب «المصباح» أكثر من 8000 مرشح مقارنة مع الاستحقاقات السابقة، فهو لم يكلف نفسه عناء معالجة الأسباب الداخلية التي جعلت مناضليه يفرون طواعية بجلدهم السياسي إلى أحزاب أخرى، أو التواري إلى الخلف، بل فضل رمي المسؤولية على رجال السلطة والأحزاب المنافسة والمشوشين، بينما يعلم الحزب الحاكم قبل غيره أن العطب داخلي، وصراعه الحقيقي ليس مع المقدمين والقياد والقاسم الانتخابي والعتبة وعزيز أخنوش، بل مع امتداد رقعة الكولسة والديمقراطية الوهمية ومنطق الزبونية، التي تحاول قيادة الحزب شرعنتها بأساليب أخلاقوية، لكي يبقى التنظيم تحت هيمنتها لأطول فترة ممكنة.
مشكلة العدالة والتنمية أنه لا يريد أن يقتنع أن صولجان تدبير الشأن العام له فوائد وضرائب، وأن السياق الإقليمي له مكاسب وخسائر، وأن الشرعية الانتخابية تتسع وتتقلص بحسب مشروعية الإنجاز، وأن لكل حزب مدة صلاحية سياسية قد تطول أو تقصر، وفق ما تقرره السيادة الشعبية. معضلة الحزب الحاكم أنه يريد الاستفادة من السياق الإقليمي فقط حينما يخدم مصالحه، والقوانين حينما تضمن هيمنته، ووزارة الداخلية حينما تذعن لرغباته، والأحزاب المنافسة حينما تنحني لسطوته، غير ذلك فهو يستدعي خطاب المظلومية وقاموس الضحية كحيل وآليات نفسية وسياسية وإعلامية، لحماية ما تبقى من رصيده بإلقاء عيوبه ونقائصه على الآخر.

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى