شوف تشوف

الرأي

إنها حرب الهواتف «الذكية»

يونس جنوحي
السلسلة الأكثر شعبية في العالم الآن هي «المسيح». عشر حلقات من مسلسل شارك فيه ممثلون عرب مسلمون، وأمريكيون مسيحيون، بالإضافة إلى يهود من إسرائيل بعضهم عرب.
ينقل المسلسل قصة شاب من أصول إيرانية، لم يكتشف أحد شخصيته إلا في الحلقات الأخيرة للسلسلة، ظهر فجأة في مخيم للاجئين، وقادهم من خلال خطاباته الحماسية واستعانته بآيات من القرآن الكريم لكي يتشجعوا على اختراق الحدود التي يحميها الجيش الإسرائيلي ويعودوا ببساطة إلى القدس. لكن تم منعهم ليُطوقوا في الصحراء وهم ينتظرون أن يُخلصهم الشاب الغامض. بل لقبوه بـ«المسيح» واعتقدوا فعلا أنه عاد لكي يخلص العالم من الشرور. اختفى الشاب بعد أن تركهم في الحصار ومضى لكي يصل وحيدا إلى القدس، وهناك سوف يخلق الحدث بادعائه إعادة طفل إلى الحياة، بعد أن اخترقت رصاصة جندي إسرائيلي صدره. واختفى.
وبعد ساعات على اختفائه ظهر في تكساس، دون أن تظهر الطريقة التي استطاع من خلالها الاختفاء من القدس، على بعد أمتار من المسجد الأقصى، ليظهر من جديد في ولاية تكساس الأمريكية في قرية صغيرة تعيش أزمة روحية وعلى مشارف كارثة سيسببها إعصار مدمر.
رحل إلى أمريكا تاركا شعب المخيم الذين تبعوه لكي يعيدهم إلى القدس، ليجدوا أنفسهم في الأخير مجبرين على الرحيل. يُعاد نفس السيناريو في الولايات المتحدة، ويتحلق حوله الأتباع مصدقين أنه المسيح، بعد أن ادعى قس الكنيسة الصغيرة أن الرجل الذي ظهرت معجزته في القدس استطاع أن ينقذ ابنته من قلب الإعصار، وهكذا أصبح «المسيح» بطل أمريكا، حتى أن الرئيس الأمريكي «المؤمن» أراد لقاءه واختطفته قوات خاصة من قلب فندق لكي يراه الرئيس.
وفي أحد الحوارات بين القس و«المسيح» المُخلّص، تنبأ القس بأن الحرب المقبلة سوف تكون حرب أفكار.
المسلسل عرف انتقادات كثيرة لأن بطله ظهر كأنه مسلم في الحلقات الأولى، ثم مسيحيا خالصا في الحلقات الأخرى. وطبعا لن «نحرق» المسلسل حتى لا يضيع التشويق. ودعونا نتوقف عند حرب الأفكار تلك.
يمضي العالم نحو المجهول، وهكذا كان منذ البداية. عندما بدأت حرب العراق كان العالم يعيش تحت رحمة الصواريخ و«الفضائيات». بينما اليوم، بسبب المناوشات بين إيران والولايات المتحدة، يعيش حربا في الهواتف المحمولة. ولا أحد يملك الوقت لكي يجلس ساعات طويلة أمام الفضائيات. الجميع يبحثون عن المقاطع القصيرة المقتطفة من المقابلات التلفزية، ويتابعون ما يقوله الرئيس الأمريكي ترامب على حسابه في «تويتر». ويخرج ابنه الأصغر لكي يقول للعالم ما إن كان والده سوف يلقي خطابا للأمريكيين في الساعات الأولى لقصف القواعد الأمريكية في العراق، أم أنه سوف يلتزم الصمت في انتظار اجتماعه بحكماء الجيش لكي يقرروا ما إن كانت الولايات المتحدة سوف تمضي في حربها ضد إيران، أم أن ضبط النفس سيكون عنوان المرحلة.
الليبراليون سيكونون سعداء في الغالب، لأن قرب نهاية ولاية «ترامب» لا بد أن تعرف تغيرات من هذا النوع. بالنسبة إلى الأمريكيين، الحرب يمكن أن تزيد شعبية الجالس في البيت الأبيض وتمنحه ولاية ثانية، كما يمكن أن تُرسله إلى التقاعد بجرعة من السخط الشعبي.
الأمريكيون ينظرون إلى الحرب حسب تأثيرها على توفير الدولة لمناصب الشغل والقدر الذي تأكله الأسلحة من ميزانية البلاد، ثم تأتي الأخلاق بعد ذلك. إذا كانت الحرب تخفض ثمن البترول، يتجند الرأسماليون للدفاع عن مشروعيتها، وإذا خسرت الدولة مواردها في التسليح والعمليات وتوجيه الطائرات التي تساوي الملايير لكي تتحطم في الصحاري، فإن الرئيس يبدأ في جمع أغراضه من مكتبه قبل الاستحقاقات.
الحرب المقبلة إذن ليست حرب أفكار كما يقول المسلسل الأكثر شعبية في العالم. المسلسل الحقيقي الذي نعيشه، لايزال يعول على السلاح، وعلى الهواتف النقالة التي أصبحت تشبه صواريخ «ذكية» لتجييش الجالسين على الأريكة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى