بشكل مفاجئ قرر مدير مديرية التقويم، وهو المسؤول عن تدبير الشق المركزي لمباراة التوظيف الأخيرة، العودة لزمن السبعينات عندما لم تكن الأكاديميات الجهوية موجودة بعد، وعندما كان يتم كل شيء في العاصمة. فبدل أن تتكفل الأكاديميات بالتدبير المادي والتربوي للمباراة كما جرت العادة في السنوات الأخيرة، واعتماد ترتيب جهوي للمترشحين، فإن قرار المسؤول سابق الذكر خلق فوضى حقيقية أثارت استياء مديري الأكاديميات، خاصة على مستوى توزيع المناصب على الجهات بحسب ما عبرت عنه من حاجيات.
القرار المُمَركز يؤدي إلى الفوضى
انتظر عشرات الآلاف من المترشحين لمباراة توظيف المدرسين، المنظمة هذه الأيام في وزارة التربية الوطنية، ثلاثة أيام زائدة في انتظار الإعلان عن نتائج الشق الكتابي بسبب تأخر الوزارة في الإعلان عن النتائج على غير المعتاد، بشكل أثار استغراب الجميع، بمن في ذلك مسؤولون جهويون.
وحسب مصادر من داخل وزارة التربية الوطنية، فإن مدير مديرية التقويم استغل نفوذه وقربه من الوزير المعفى شكيب بنموسى، وأقنعه باعتماد ترتيب وطني واحد لكل المترشحين بغض النظر عن الأكاديميات التي ترشحوا فيها، وبغض النظر أيضا عن حاجياتها.
وأضافت المصادر ذاتها أن هذا القرار خلق ارتباكا كبيرا حيث بادرت بعض الأكاديميات إلى الإعلان عن النتائج بشكل منفرد كما جرت العادة، ووفق ترتيب جهوي خاص بها للناجحين، مثلما حدث في أكاديميتي طنجة والشرق، قبل سحب هذه النتائج وإصدار بلاغ يكذبها ويصفها بـ«المزورة»، مع أنها نتائج حقيقية على مستوى الجهتين، ليتفاجأ بعض المترشحين باختفاء أسمائهم من اللوائح المعلنة وظهور أسماء أخرى، وهو الأمر الذي أثار الاستغراب، بل والشك في صفوف المترشحين.
الفوضى التي خلقها القرار المركزي سابق الذكر تتمثل أيضا في سوء توزيع الناجحين بين الجهات، حيث مُنحت بعض الأكاديميات مقاعد أكبر من حاجياتها في بعض التخصصات وأقل من حاجياتها في تخصصات أخرى، مثلما حدث في جهتي فاس وبني ملال، حيث فوجئت أكاديميات فاس مكناس بأن نصيبها من مدرسي اللغة الأمازيغية ناجح واحد فقط، وقد لا يتمكن من النجاح في الشق الشفوي، والأمر نفسه حصل لأكاديميات جهة بني ملال حيث حصلت علوم الحياة والأرض على 7 مناصب فقط مع أن حاجياتها تتجاوز المائة مدرس لهذا التخصص.
علاج الخطأ بالخطأ
لاستدراك هذه الفوضى غير المسبوقة التي عاشتها المباراة، بادر المسؤول نفسه إلى إقناع الوزير المعفى، مرة أخرى، بفتح حركة تسمح للمترشحين الناجحين في الشق الشفوي باختيار المركز الجهوي الذي يرغبون بالتكوين فيه، وهي خطوة غير مسبوقة مرة أخرى، لأن هذا سيعني أن سوء توزيع المناصب على الأكاديميات سينتقل إلى توزيع المتدربين على مراكز التكوين، حيث سيجد بعض الأساتذة المكونين أنفسهم بدون متدربين بينما سيعاني آخرون من الاكتظاظ.
يتعلق الأمر، إذن، بمزاجية لا علاقة لها يما ينبغي أن يكون عليه التدبير الشفاف والتشاركي لقطاع كالتعليم، فبدل أن يعطي لأبناء الجهات حق التوظيف وبالتالي الاستقرار في جهاتهم، قرر المسؤول ذاته العودة للنظام المركزي في تدبير عملية التوظيف، بدءا من وضع الاختبارات وصولا إلى التعيينات بعد التخرج من المراكز الجهوية، وهو الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام عن جدوى وجود الأكاديميات، وأيضا عن جدوى وجود ثلاث مديريات مركزية في الهيكلة الإدارية الجديدة ذات علاقة بمجال تكوين الأطر.
فمنذ صدور دستور 2011 ما فتئت الدولة تقوم جاهدة باتخاذ خطوات هامة لتسريع وتيرة إرساء الجهوية الموسعة وتفعيلها تفعيلا كفيلا بإحداث تغيير جوهري في تنظيم هياكل الدولة وفي علاقات المركز بالجماعات الترابية. في هذا الإطار جاء خطاب الملك بمناسبة عيد العرش في 30 يوليوز 2012، الذي ورد فيه «.. نهيب بالحكومة الشروع في إصلاح الإدارة العمومية لتمكينها من مواكبة متطلبات هذه الرؤية الترابية الجديدة، وهو ما يطرح مسألة اللاتمركز، الذي ما فتئنا ندعو إليه منذ عشر سنوات…»، وتنفيذا لمضامين الخطاب الملكي قامت حكومة سعد الدين العثماني سنة 2018 بإصدار المرسوم رقم 618.17.2 بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري والذي من خلاله تم تحديد المبادئ التوجيهية للاتمركز الإداري وكذا أهدافه وآليات تفعيله، كما يؤطر الاختصاصات بين الإدارات المركزية والمصالح اللاممركزة للدولة.
غير أن مسؤولي الإدارة المركزية لوزارة التربية الوطنية، وكما هو واضح في ما سبق، قرروا العودة لنظام ما قبل إحداث الأكاديميات واعتماد نظام متمركز خلق فوضى حقيقية، ليس فقط على مستوى توزيع المناصب على الجهات بل ومس مصداقية الوزارة، عندما بادرت بعض الأكاديميات إلى الإعلان عن النتائج قبل أن تقوم بسحبها تحت مسمى أنها مزيفة، مع أن جميع العارفين بأسرار القطاع يعرفون أنها نتائج صحيحة.
////////////////////////////////////////////////////
نظمت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة النسخة الأولى من المنتدى الوطني للمدرس، تحت شعار: «المدرس، محرك تطور التربية والتعليم»، وذلك يومي 26 و27 شتنبر 2024 بالرباط. استهدفت من خلاله الجهات المنظمة «تسليط الضوء على الدور المحوري الذي يقوم به الأساتذة في تحول المدرسة العمومية».
عزيز لعويسي
تربوي وكاتب
الدور المحوري للأساتذة في إنجاح إصلاح المدرسة العمومية
اكتظاظ الأقسام جحيم حقيقي للأستاذ والتلميذ
حتى لا نُصنَّف مبكرًا ضمن خانة المبخسين أو المشوشين، أو ننغمس في ما أثاره هذا المنتدى من جدل وأسئلة مشروعة من جانب نساء ورجال التعليم، خاصة في ما يتعلق بتكلفته المادية، ومنهجية اختيار المشاركين فيه، لا يمكن إلا أن ننظر بشكل إيجابي ومسؤول إلى كل المبادرات والإبداعات التي من شأنها تحريك عجلة المدرسة العمومية وافتكاكها من بين مخالب النمطية والرتابة والتواضع، والتنويه بكل المساعي التربوية، مهما كان مصدرها، التي تروم إبراز الدور المحوري للأساتذة في إحداث ما ينقص المدرسة العمومية من نهوض وتحول وإشعاع. لكن، في الآن ذاته، نتساءل كما تساءل الكثير من الزملاء الأساتذة: هل كان من الضروري في هذه الظرفية التي لم تستقر فيها سفينة الإصلاح بعد على بر الأمان، أن ننظم منتدى واسعًا للأستاذ، له تكلفة مادية ثقيلة، كان بالإمكان، من باب الواجب والحكمة والواقعية، توجيهها إلى دعم تنمية المدرسة العمومية التي لا زالت رهينة واقع الهشاشة والرتابة وانعدام الجاذبية؟
«منتدى الأستاذ» يعطي الانطباع للمتتبع للشأن التربوي أن المدرسة العمومية وصلت إلى درجة متقدمة من الإصلاح والجاذبية، على مستوى المناهج والبرامج والطرائق والوسائل وبنيات الاستقبال… ولم يعد ينقصها سوى البحث لها عن حلول أخرى مبدعة وخلاقة، دافعة في اتجاه التميز والريادة والإشعاع الدولي. كما يعطي الانطباع أن الأساتذة جميعهم نالوا ما ناضلوا من أجله في معركتهم النضالية الشاقة، من كرامة وتحفيز واعتبار، ومن ارتقاء بأوضاعهم المادية والاجتماعية والنفسية، ومن «بيئة مهنية» لائقة تقطع بشكل لا رجعة فيه مع سنواتٍ عجافٍ ظل الاحتقان عنوانها البارز.
كان من الضروري، حسب تقديرنا، استكمال الأوراش الإصلاحية المفتوحة، وتصويب ما يكون قد اعتراها من ارتباك واختلال، خاصة في ما يتعلق بالإفراج عما تبقى من القرارات المرتبطة بالنظام الأساسي الجديد، وبخارطة الطريق، وتجربة المدارس الرائدة، التي لم تسلم من اللغط والجدل منذ اعتمادها، لا من جانب الأساتذة «الرائدين»، ولا من جهة بعض أسر التلاميذ التي لم تتردد في الخروج إلى الشارع من أجل الاحتجاج والتعبير عن مشاعر القلق تجاه هذه التجربة، التي يبدو أنها قسمت المدرسة العمومية إلى «رائدة» و«غير رائدة»، بدل توحيدها وتمتين لحمتها في زمن الإصلاح. كما كان بالإمكان الوصول أولًا إلى «مصالحة حقيقية» بين الوزارة الوصية على القطاع والشغيلة التعليمية، تحسم جميع الملفات المطلبية العالقة، وتؤسس لمستقبل واعد، قوامه الثقة والمصداقية والتحفيز والكرامة والتقدير والاعتبار.
«منتدى الأستاذ» قد يرى فيه البعض نوعًا من «الترف التربوي» في زمن لا زالت فيه المدرسة العمومية تلتحف البؤس وتفترش الرتابة والتواضع، لما تقدمه من عروض تربوية لا تساير العصر، تتحكم فيها مناهج متقادمة وبرامج دراسية «غارقة في الكم» لا تقدم ولا تؤخر. وقد يرى فيه البعض الآخر مجرد «منتدى استعراضي» لن يكون له أي أثر على أرض الواقع، إلا هدر إمكانيات مادية عمومية، كان يفترض تسخيرها لدعم الكثير من المؤسسات التعليمية البئيسة في العالم القروي، والكثير من المجالات المهمشة…
وبالعودة إلى المنتدى، الذي تميز بتقديم أكثر من 150 مداخلة ونشاطا حول محاور تلامس –علاوة على «تكوين المدرس» – «التفتح في العمل» و«تبني مقاربات فعالة في القسم» و«كيفية فهم التلاميذ»، فأهداف ومقاصد من هذا القبيل، من الصعب تحقيقها على أرض واقع الممارسة، في ظل أقسام دراسية مكتظة بالتلاميذ تصل عتبة الأربعين، ما لم نقل تتجاوزها، تبدو أقرب إلى «علب السردين»، مما حول الكثير من الأقسام إلى جحيم مستدام بالنسبة للأساتذة، في ظل اتساع دائرة السلوكات اللامدنية في الوسط المدرسي، وضعف مؤشرات المسؤولية والجاهزية والاستعداد لدى فئات واسعة من التلاميذ، فضلًا عن تهاون الكثير من الأسر في تحمل مسؤولياتها في التربية والتنشئة الاجتماعية. وفي ظل «بيئة عمل» كهذه، تتراجع مفردات «التفتح في العمل» و«الممارسات الفعالة» و«فهم التلاميذ»…، وتتقدم أمامها اختيارات أخرى يفرضها الواقع، مرتبطة بالضبط وفرض النظام داخل الفضاء الفصلي «المكتظ» بكل تناقضاته واختلافاته، وهواجس مسايرة وإتمام برامج دراسية ثقيلة، تقتل التفتح، وتجهز على روح الخلق والإبداع والابتكار، سواء تعلق الأمر بالأستاذ «المحبط» و«منهك القوى»، أو بالتلميذ الذي يعاني في صمت، بسبب معضلة الاكتظاظ وطول ساعات الدراسة وجحيم البرامج الدراسية وبؤس الحياة المدرسية…
ونأمل، في خاتمة المقال، أن يتم تدارك ما تعيشه المدرسة العمومية من ضعف ووهن في جميع الجوانب، خاصة على مستوى بنيات الاستقبال، واستعجال ملاءمة المناهج والبرامج الدراسية، والتقليص من ساعات العمل، في ضوء ما خلصت إليه «اللجنة الدائمة لتجديد وملاءمة المناهج والبرامج» من مخرجات وتوصيات، والنهوض بالأوضاع المادية والاجتماعية والنفسية والمهنية للأستاذ، حتى يركز في مهنته ويكرس كل وقته وقدراته في إحداث ما تتطلع إليه المدرسة العمومية من تحول، وحتى لا يبقى طوافًا وجوالًا ومتسولًا ومتوسلًا في المدارس الخصوصية كل بداية موسم دراسي، بحثًا عن فرصة عمل، بكل ما يحمله ذلك من إهانة ومس بالكرامة وإساءة لمهنة الأستاذ، الذي يبقى مكانه الطبيعي «المدرسة العمومية» لا التوسل والتسول خارجها… حينها يمكن أن نحتفي بالأستاذ ومنتدى الأستاذ…
وفي المجمل، لسنا في حاجة إلى «منتديات» أو «ندوات» أو «موائد مستديرة» مستنزفة للقدرات المالية، لإبراز الدور المحوري للأستاذ في بلوغ مرمى مدرسة وطنية عمومية عصرية ومتفتحة على روح العصر. نحن في حاجة فقط إلى إعادة الاعتبار للأستاذ والنهوض بأوضاعه المادية والاجتماعية والنفسية، وتمكينه من بيئة عمل جذابة ومحفزة، على مستوى المناهج والبرامج والوسائل وبنيات الاستقبال وساعات العمل، وجعله شريكًا فاعلًا في الإصلاح، لأنه أدرى من غيره بخصوصيات واقع الممارسة، لا مفعولًا به تحول، طيلة عقود من التجارب الإصلاحية المرتبكة، إلى ما يشبه «الآلة» التي لا تصلح إلا لتنفيذ ما ينسج داخل المكاتب المكيفة من أفكار وتوجهات ومشاريع…
//////////////////////////////////////////////////////////
متفرقات:
رفع دعم الأطفال في ميزانية 2025
تعتزم الحكومة الرفع من الدعم الاجتماعي المباشر خلال سنة 2025، ليصل إلى 250 درهما عن كل طفل من الأطفال الثلاثة الأوائل المتمدرسين، أو دون 6 سنوات أو في وضعية إعاقة (350 درهما)، وإلى 175 درهما عن كل ولد من الأولاد الثلاثة الأوائل غير المتمدرسين.
أما بالنسبة للأطفال اليتامى من جهة الأب دون ست سنوات أو الذين يتابعون دراستهم، فسيبلغ هذا الدعم 375 درهما عن كل طفل من الأطفال الثلاثة الأوائل، دون أن يقل الحد الأدنى بالنسبة لكل أسرة عن 500 درهم شهريا. وحسب وزيرة المالية نادية فتاح، التي قدمت مشروع قانون المالية أمام البرلمان، سيبلغ بذلك الغلاف المالي للدعم المباشر 26,5 مليار درهم خلال سنة 2025. وأشارت الوزيرة إلى أن سنة 2025 ستعرف استكمال تنزيل مكونات مشروع تعميم الحماية الاجتماعية، من خلال وضع الإطار القانوني والتنظيمي للشروع في توسيع قاعدة الانخراط في أنظمة التقاعد، وتوسيع الاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل لفائدة الأشخاص الذين يتوفرون على شغل قار.
مربيات ومربو التعليم الأولي يحتجون
دعت اللجنة الوطنية لمربيات ومربي التعليم الأولي إلى تنظيم وقفة احتجاجية أمام وزارة التربية الوطنية بالرباط، بداية هذا الأسبوع. وتحدثت اللجنة، المنضوية في إطار الجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي، في بيان لها، عن «الارتجالية في تسيير أقسام التعليم الأولي وتدبير وضعيات شغيلته من مربيات ومربين وأطر مشرفة»، وعن «دخول مدرسي مختل بفعل استمرار استهداف الاستقرار النفسي والوظيفي لشغيلة التعليم الأولي»، من خلال سيادة منطق التهديد والوعيد وقهر المربيات والمربين، وفي ظل شروط عمل غير لائقة، تنضاف إلى هزالة الأجور التي تلامس بالكاد الحد الأدنى للأجر.
وأشار البيان إلى «طرد مربية وأربعة مربين من العمل بإقليم تاونات، ما اعتبرته اللجنة دليلاً على غياب إرادة حقيقية لتجاوز مختلف الاختلالات والمشاكل التي يعيشها هذا القطاع على الصعيد الوطني».
وأعلنت الكتابة التنفيذية للجنة الوطنية لمربيات ومربي التعليم الأولي إدانتها لما وصفته بسياسة التضييق الممنهجة على الحرية النقابية وعلى المربيات والمربين من طرف المؤسسات والجمعيات المفوض لها تدبير التعليم الأولي، واستنكرت بشدة الطرد التعسفي من العمل ضد المربين الخمسة بإقليم تاونات، وعبرت عن احتجاجها القوي على المؤسسة المغربية للنهوض بالتعليم الأولي، مع تحميلها المسؤولية الكاملة لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة في ما تعيشه شغيلة التعليم الأولي «العمومي».