الرأي

العهدة على الراوي

حسن البصري
لا يؤدي المشاهير في المغرب ضرائب لخزينة الدولة، لكنهم يؤدون ضرائب أخرى.. فهم دوما عرضة لإشاعات مسيلة للدموع، تجاوزت حدود التزويج والتطليق، إلى الدفن قبل الموت. طور صناع الإشاعة منتوجهم تماشيا مع التطور التكنولوجي القادر على نشر الخبر بأقصى سرعة ممكنة، دون الحاجة إلى البحث والتحري في الخبر.
بالأمس القريب اضطر الفنان عبد القادر مطاع لإعلان نفسه حيا، وظهر في أكثر من تصريح وهو يرد على القتلة، قال: «استيقظت على خبر موتي». وقبله حطمت الحاجة الحمداوية رقما قياسيا في الموت الافتراضي، قتلتها الإشاعات مرات ومرات حتى أصبحت ميتة في أذهان الناس حية حين تخلو إلى نفسها.
الإشاعة في المغرب كالسكين «الحافي» لا تذبح إلا بتكرار المحاولة، فكثير من الفنانين قتلوا مرات عديدة، على الإنترنيت طبعا، قبل أن يلفوا في كفن حقيقي. فحسن مضياف اضطر إلى تكذيب خبر وفاته في أكثر من مناسبة، وكانت الثالثة ثابتة في حق الفنان محمد بن ابراهيم الذي قتلته الإشاعة مرتين وحين مات لم يصدق أصدقاؤه الخبر، وميلود الحبشي الذي مات بسبب تقارب في الأسماء مع الفقيد محمد الحبيشي.
يُجمع ضحايا الإشاعة على ضعف نفوس صناعها، ويؤكدون ضلوع مواقع التواصل الاجتماعي في القضية، ومساهمة بعض المشاهير أنفسهم في نشر الأكذوبة على نطاق واسع. والأخطر من ذلك أن صفحة على الفايسبوك اختارت لنفسها عنوانا «خبر وإشاعة كل ساعة»، في ما يشبه شرعنة ترويج الإشاعات بين الناس.
لكن أطرف ما يروى في هذا الباب، اتصال مبدع شهير برئيس تحرير صحيفة طالبا منه نشر بيان حقيقة يؤكد بقاءه على قيد الحياة، حينها تلقى تهنئة بسلامته في الصفحة الأولى.
مات شقيق عبد الرحيم التونسي الشهير بلقب عبد الرؤوف، فاختار هواة الإشاعة قتله ولم يكلفوا أنفسهم عناء الاعتذار عن خطأ أطفأ نور الحياة في دواخل فنان لطالما أضحك الأجيال. اضطر عبد الرؤوف إلى نفي خبر وفاته، حين استوقفه شرطي مرور، وسأله بنبرة استفزازية «أنت مزال حي». رد عليه عبد الرؤوف بنبرة ساخرة: «عزرائيل رفضني وقرر ألا يستقبلني إلا وأنا بمعية شرطي مرور». فهم رجل الشرطة القصد من الجواب وصرف النظر عن السؤال.
لكن الإشاعة اخترقت عالم الكرة، فقد بادر معارضو عبد الإله أكرم الرئيس السابق للوداد إلى نسج إشاعات استهدفت حياته، نشر خبر عاجل على مواقع التواصل الاجتماعي يقول إن أكرم توفي في حادثة سير مفجعة، وقدم كاتب هذا الخبر تفاصيل حول الحادثة التي نسبها إلى «السرعة المفرطة والحالة الميكانيكية» على غرار مبررات الحوادث في نشرات الأخبار الرسمية.
تعرض عزيز بودربالة اللاعب الدولي السابق مرتين لإشاعة قتل بغيضة، عثر في علبة هاتفه على عشرات المكالمات والرسائل النصية تستفسر بقلق عن حقيقة حادثة سير مميتة، وشرع البعض في تجهيز الكفن وحجز القبر وترتيب التأبين.
حين رفض صلاح الدين بصير الانضمام لتجمع قدماء اللاعبين الدوليين، طاردته الإشاعة من طرف لاعب حمل قميص نصف فرق البطولة الوطنية وأبعد عنها بعد ثبوت تعاطيه للإشاعة. في اجتماع لهذه الجمعية صادر اللاعب السابق جدول الأعمال وزف للحاضرين خبر مقتل صلاح الدين بصير في حادث مروري بالجنوب المغربي. صدق القدامى الرواية المحبوكة لسببين، أولهما ادعاء مصدر الإشاعة، الذي لعب سابقا للجيش، بأن الجنيرال حسني بن سليمان تكفل بنقل بصير على وجه السرعة للمستشفى العسكري، فورط الجنيرال في فعل مشين دعم به موقفه. مات أحد مروجي الإشاعة قبل وفاة اللاعب، وظلت وفاته تتأرجح بين الحقيقة والإشاعة، لكن في جميع الحالات «لا يفلح مروج الإشاعة من حيث أتى».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى