الرأي

المدرسة العمومية هي الحل

يونس جنوحي
خرجنا من أكبر امتحان للمغاربة والحكومة، خلال القرن الحالي. وعلى أمل ألا يتكرر وباء مماثل يجبرنا على الإقامة الجبرية في المنازل واعتزال الحياة العادية مرة أخرى، فإننا مدعوون جميعا إلى جلسة محاسبة.
الحكومة خرجت بأكثر من «تخريجة» تتناقض في نقاط كثيرة، منذ بداية الوباء. وظهر واضحا أن الاقتصاد المغربي بالنسبة إلى المواطنين، يقوم أساسا على التضامن وليس على أي مخطط حكومي.
المدافعون عن تجربة حزب العدالة والتنمية سيجدون أنفسهم الآن محرجين بعد الجائحة. هذا الحزب، عندما وصل إلى التدبير الحكومي لأول مرة، دعا بالواضح إلى التخلي عن دعم القطاعات العمومية، وأولها الصحة، ثم التعليم. وقد رأينا الآن كيف أن هذين القطاعين يمسان جيب المغاربة بشكل مباشر، وكان لهما دور أساسي في إظهار مدى رغبة المسؤولين في إدارة الشأن العام بسلام في عز الأزمة. لو أننا طبقنا ما دعا إليه عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق، وتخلينا تماما عن دعم قطاع الصحة وفوضنا كل المستشفيات المغربية إلى القطاع الخاص، لأصبح كل مصاب بوباء كورونا مجبرا على أداء أتعاب خيالية، قبل أن ينزعوا كمامته ويصلونه بجهاز التنفس.
أما بالنسبة إلى التعليم الخاص، فإن كورونا كان هو القشة التي هدمت هرم الوهم الكبير المرتبط بهذا القطاع، الذي ظهر بالواضح أنه يمص دم المغاربة بدون رحمة. أول قطاع على الإطلاق طالب بالاستفادة المباشرة من صندوق كورونا، الذي تم إنشاؤه في منتصف مارس الماضي، كان هم أرباب المدارس الخاصة. وعندما استاء الرأي العام من الموضوع، حاولوا تبرير الأمر بأعذار مضحكة وسريالية. وفي بداية يونيو الجاري، طالبوا الآباء المغاربة رسميا بأداء مستحقات ثلاثة أشهر رغم أن تلك المدارس كانت مغلقة، وجلها سرحت الأساتذة الذين يعملون لديها. أي إن أرباب هذه المؤسسات أصبحوا فعليا غير مطالبين بأداء مصاريف كثيرة لموظفيهم.
نُظمت وقفات احتجاجية لأولياء أمور التلاميذ، وحاولت جل الإدارات أن تتفاهم معهم على أداء نصف المستحقات الشهرية فقط. وكأن الأمر يتعلق بتسويق فاكهة موسمية في أسواق الجملة، وليس تدبير قطاع التربية والتعليم الخاص.
وجد أرباب المؤسسات الخاصة أنفسهم أمام سخط شعبي غير مسبوق، حتى أن بعض الدعوات الإلكترونية دعت صراحة إلى الانسحاب في شتنبر المقبل من المدارس الخاصة، وإعادة الثقة إلى المدرسة العمومية.
والحقيقة أن هذا القطاع أصبح خلال السنوات العشر الأخيرة موضة تتسابق إليها العائلات من مختلف الطبقات. يجب على المسؤولين الحكوميين أن يعلموا أن هناك عائلات لا يتوفر أربابها على التغطية الصحية الإجبارية، وعاجزون تماما عن الادخار، لكنهم ذهبوا بأبنائهم إلى المدارس الخاصة. يحدث هذا الأمر كثيرا في المدن بعكس القرى والمدن الصغرى، التي لا يزال مواطنوها يثقون في المدرسة العمومية.
فتاة مغربية من مدينة الرشيدية فازت، الأسبوع الجاري، بمسابقة سوف تمكنها من زيارة إلى وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، وربما يكون لها مستقبل باهر مع الوكالة التي تبحث عن المواهب والنوابغ من مختلف أنحاء العالم. هذه التلميذة، وغيرها الكثير، هم خريجو المدرسة العمومية المغربية، ولم نسمع يوما عن أي إنجاز أكاديمي أو علمي للمدارس الخاصة.
ها هي الصحف الورقية تعود اليوم إلى الأكشاك، بعد أن توقفت دواليب المطابع لثلاثة أشهر. سيقتنيها مدمنو الأخبار مع قهوة الصباح أو جلسة المساء، التي تكون مناسبة للتأمل. دورة كاملة من الحياة سوف تعود تدريجيا إلى طبيعتها، على أمل ألا يفسدها علينا متهورون يخرجون لنا من «الجنب»، بين الفينة والأخرى. وأنتم تشربون قهوتكم، فكروا في إعادة الثقة إلى كل ما هو عمومي. جائحة «كورونا» علمتنا، وتعلمنا أن الطريقة الوحيدة للنجاة هي أن ننجوا جماعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى