شوف تشوف

الرأي

تسريب صوتي

حسن البصري
لا حديث في الوسط الكروي إلا عن التسريب الصوتي المنسوب لمدرب الرجاء البيضاوي جمال السلامي، الذي انتشر كالنار في الهشيم، وتحول إلى مادة للسخرية بين الغريمين التقليديين الوداد والرجاء.
اختار الرجاويون للتسريب الصوتي عنوانا: «اللي غلب يعف»، وألح الوداديون على عرض المدرب السلامي على لجنة الأخلاقيات، بينما يحمل العقلاء أو ما تبقى منهم، كامل المسؤولية للشخص الذي سرب المكالمة وأخلف الموعد مع الثقة.
من حيث الشكل، فالتسريب الصوتي، الذي وصف عصبة الناصري بالفساد، يحتاج فقط للتأكد من كون المتحدث هو مدرب الرجاء البيضاوي، وليس شخصا آخر انتحل نبرات صوته. أما مضمونه فيكشف، من خلال سرد مجموعة من المواقع، حرب عصبة الناصري ضد الرجاء.
أكد مدرب الرجاء بنبرة الواثق، أن العصبة تتعقب الرجاء وأن الحكم جيد سقط في اختبار النزاهة حين تحول إلى شاهد على مجزرة بدل أن يكون قاضيا يفصل في الوقائع ويحكم بالعدل. وقال السلامي في المنشطات ما لم يقله مالك في الخمر رغم أننا لا نعرف ما الذي قاله مالك في الخمر. الرجاويون يقولون إن التسريب لن يجر المدرب للمثول أمام لجنة الأخلاقيات، ويطالبون بجر الشخص المسرب الذي يعاني من نقص حاد في رصيد الثقة، بينما يرى الراسخون في علم المنازعات أن إصرار رئيس الوداد على توقيف «البيضة في الطاس»، هو من قبيل «مول الفز يقفز».
التسريبات الصوتية أقل ضررا من تسريبات بالصوت والصورة، اسألوا كاتبة لجنة الأخلاقيات عن القضايا التي حملتها «الفيديوهات والأوديوهات» التي جرت كثيرا من الرياضيين إلى قفص الاتهام، وجعلت أصحابها يضربون كفا بكف حزنا على ثقة مفترى عليها في شخص يعشق الإثارة.
في زمن الهواتف الذكية والأخلاق الكسولة، يتعقب تجار التسريبات المدربين والمسيرين واللاعبين والحكام وحتى الصحافيين، أملا في اقتناص «أوديو» يضمن الحد الأقصى من المتابعة، يكفي عنوان ببهارات الإثارة لتحطيم نسب الاستماع وخلق الجدل بين هواة الملاسنات الكروية.
في غرفة الأخلاقيات عشرات الملفات، منها ما تمت تسويته بالاعتراف ومنها ما حسم بالتوقيف، ومنها ما لازال ينتظر. أمام اللجنة جلس كثير من المدربين واللاعبين يدافعون عن نوبة غضب، عن تصريح منفلت، عن خروج عن السطر، عن كلام غير مسؤول من شخص يقال إنه مسؤول والعلم لله.
صحيح أن لجنة الأخلاق هي إحدى اللجان القضائية في كل المنظمات الرياضية حول العالم، وهي اقتباس هيكلي لما هو متعارف عليه في أجهزة الاتحاد الدولي لكرة القدم، غايتها ضبط وتنظيم أي تجاوزات من شأنها أن تحدث من أي مسؤول يعمل في الوسط الرياضي.
لكن لا يمكن اختزال دور هذه اللجنة في التنصت على المكالمات المنفلتة، ولا التصريحات الساخنة لأطراف اللعبة، لأن الأخلاق لا تدرس في اللجن بل في البيت والمدرسة وفي مختلف مسالك التنشئة الاجتماعية، ولأن الحاجة ماسة اليوم إلى أوديت أخلاقي في أجهزة الكرة.
ما يعاب على لجنة الأخلاقيات كون قراراتها لا تقبل الاستئناف والطعن، حتى خيل للمحالين عليها أنهم أمام محاكم التفتيش، التسريب فيها سيد الأدلة.
يا معشر الكرة لا ترموا بأنفسكم في التهلكة بسبب مكالمة هاتفية بنبرة عالية من الجرأة، لا تتركوا الحماس يفعل فيكم فعلته، فالثغر الذي يرمي «جمرة» بوده أن يمنح «ثمرة»، استحضروا مفعول تصريحاتكم الحارقة واعلموا أن مفعولها قادر على تسميم الأجواء بين الرياضيين.
التسريبات الصوتية ليست مجرد تصريحات غير رسمية، خاصة إذا كان مصدرها رموز الرياضة، بل هي لحظة بوح مبني للمجهول أو المعلوم، تستدعي مساءلة المسرب والجدوى من التسريب والأطراف التي تقف خلف هذه القنابل الصوتية العابرة للقارات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى