شوف تشوف

الرأي

ثقافة المال العام

نجزم بالقول إن مغرب اليوم يشكو من انعدام ثقافة المال العام، إذ إن الممارسات اليومية لأفراد الشعب المغربي أيضا تعكس هذا الأمر بجلاء، فنجد أطفالا ومراهقين، شبابا وناضجين، لا يترددون في تخريب كل ما يقع تحت أيديهم من ممتلكات الدولة، بينما عندما يتعلق الأمر بممتلكاته الخاصة، فقد يقتل المرء أخاه أو أباه أو أحد أقربائه، من أجل ممتلكات رخيصة.. فالمصابيح يتم تكسيرها بالحجر والصنابير العمومية التي وضعتها بعض برامج التنمية المحلية يتم اقتلاعها، وغير المقتلعة تشهد تسريبا لآلاف اللترات من المياه الصالحة للشرب، ولا أحد يحرك ساكنا لشراء «جلدة» بدرهم واحد لوقف التسربات، فلأن الماء المتسرب ملك عمومي لا أحد يالي به، وعندما تصبح أزقة هذا الحي أو الدوار غارقة في ظلام دامس، أو تصبح الساكنة بدون ماء، عندها تبدأ الانتقادات الشهيرة للدولة وللمجلس الجماعي..
الأمر نفسه يحدث في علاقة المواطنين بالمدارس العمومية، ففي بعض المناطق القروية والجبلية، نجد الفصول الدراسية وقد تحولت في الصيف لمراحيض، وأخرى تتحول إلى مكان لكل أنواع الرذائل، أما تجهيزات الفصول فيتم حملها إلى المنازل. وأطرف حادثة هي المرأة التي سرقت حاوية قمامة جديدة، ولما ضبطت صرحت بأنها تريد جعلها خزانا للقمح.. إنها فعلا أمة تتهجى ألف باء التحديث.
بعيدا عن التحليلات التقنية والمحاسباتية التي ينخرط فيها خبراء الاقتصاد والقانون، في حديثهم عن المال العام، فإن هناك ظواهر في الإدارة العمومية وفي علاقة المواطن المغربي البسيط مع المرفق العام، تستحق عناية الملاحظة والتحليل، بالشكل الذي يجعلنا نجزم أن مشكلتنا في تفشي هذه الظواهر مردها إلى كوننا لا نملك ثقافة المال العام، وهي الثقافة التي تسمح اليوم في المجتمعات الحديثة بتبلور لوبيات دافعي الضرائب.. أما عندنا فموظفو الإدارات العمومية يتصرفون مع المواطن وكأنهم يضحون ويتنازلون.. لا على أنهم يقومون بواجب هم مأجورون عليه من الضرائب التي يدفعها هذا المواطن.. فكثيرا ما نصادف موظفا بسيطا يشتم ويسب المواطنين المنتظرين لساعات بل وأيام، في المقاطعات الإدارية ومراكز استخلاص فواتير الماء والكهرباء والهاتف.. أما السفارات والقنصليات وإدارة الضرائب وتسجيل العقارات، فزائرها يخرج بخلاصة وحيدة أننا لانزال في العصور الأولى للبشرية..
فمن المعروف أن المال العام مفهوم حديث ظهر ضمن التحولات العميقة التي عرفتها المجتمعات الحديثة، خصوصا مع التغير الذي عرفه مفهوم الدولة في العصر الحديث، حيث أصبح النقاش الشعبي حول المال العام، علامة في حد ذاته على عمق التحول الذي جاءت به الحداثة، حيث تتم مراقبة ومحاسبة المسؤولين على صرفه من طرف ممثلي الشعب، سواء من طرف البرلمان أو من طرف الهيئات المدنية ذات الاختصاص. فكلنا تتبعنا كيف قامت الدنيا ولم تقعد عندما توجهت المستشارة الألمانية ميركل إلى جنوب إفريقيا في طائرة خاصة لمساندة منتخب بلادها في كرة القدم، واعتبرت هذه الخطوة هدرا للمال العام، والأمر نفسه عندما توجه ولي العهد البريطاني إلى قمة كويوتو حول الاحتباس الحراري، فقد حاسبته الهيئات المدنية البريطانية محاسبة شديدة، ومنها من شرع يحسب كم من الانبعاثات الملوثة ستطلقها طائرته وهو متجه إلى قمة عالمية تستهدف محاصرة الانبعاثات الملوثة.. والأمر نفسه في حالات كثيرة لمحاكمات وعمليات تشهير خضع لها وزراء ومسؤولون كبار في فرنسا..، والقاسم المشترك بين النماذج السابقة، هو أن حماية المال العام مسألة دستورية..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى