حسن فرج: «والدي وضع لائحة بحسابات خطط لإرجاعها بعد وفاته وهذه قصة شقته الفاخرة في نيويورك»
> دعنا نتحدث اليوم عن علاقة أمك بأستاذك السابق في الموسيقى. خلال هذا الحوار ذكرت معطيات كثيرة على لسانه، أسرت له أمك بها. ما مدى الثقة التي يحظى بها هذا الشخص؟
كانت والدتي تثق به كثيرا، لأنه كان ملتزما بشكل صارم ببرنامج التدريس الخاص بي وبأختي خديجة منذ أيام الطفولة. كما أنه كان محترما وتقدر فيه أنه كان بعيدا تماما عن الفضول، وسرعان ما تحولت علاقته بالعائلة إلى صداقة متينة. بفضله عرفت معلومات كثيرة عن علاقة عبد الفتاح فرج بوالدتي ومشاكل العائلة. غيثة لم تكن تتحدث معي في هذه الأمور لحداثة سني، لكنها كانت تعتبر أستاذ الموسيقى أهلا للثقة، حتى تشكو إليه مشاكل العائلة وتسر إليه بقلقها. بخصوص مستقبلي واستنكارها للمعاملة السيئة التي كان يعاملني بها عبد الفتاح فرج، في ما بعدُ، روت لي أمورا كثيرة وقالت لي إنها أخبرته بها، وأعادها على مسامعي كلما أردت الحصول على تفسيرات معينة..
> كان آخر الذين ربطت بهم الاتصال قبل وفاتها. ماذا يعني هذا الأمر بالنسبة إليك؟
كان أمرا متوقعا لأنني أعلم أنها كانت تسأل عنه، وتعرف أسرته الصغيرة جيدا. كان من الضروري أن يبقى السؤال بينهما قائما. لكني لا أستطيع تأكيد أنه آخر من اتصلت به أمي. ربما تكون آخر اتصالاتها معي أنا، عندما حذرتني من المستقبل المجهول وطلبت مني أن أحتاط، وكأنها كانت تودعني في تلك المكالمة من مارس 2013.
> من الضروري أن تكون طرحت أسئلة حيرتك على أستاذك السابق، خصوصا منها تلك التي لم تقدم والدتك أجوبة بشأنها.
طرحت عليه سؤالا بخصوص مسألة التبني التي تجمعني بعبد الفتاح فرج، سألته إن كانت غيثة قد أخبرته بشيء ما بهذا الخصوص.. كنت أريد أن أعرف. فقال لي إنه مرة كان يجلس معها، وسألها عن حقيقة قصتي مع عبد الفتاح فرج، ولماذا كان يعاملني بذلك الشكل المهين. قال لها إنه من العيب أن يبقى مصيري معلقا، وصارحها أنه من حقي كشاب أن أعرف أبوي الحقيقيين. وطلب منها أن تخبره كيف جاؤوا بي إلى منزل عبد الفتاح فرج، وعن والدي الحقيقيين، فكان جوابها صاعقا في الحقيقة، وأثار في نفسي شكوكا كثيرة.. الأمر محير فعلا.
> ماذا كان جواب غيثة؟
قالت له إن معرفة أبوي الحقيقيين والقصة الحقيقية للتبني من شأنها أن تشكل خطرا على حياتي، وأغلقت الموضوع. أخبرته أنه من الأفضل لي ولسلامتي ألا أعرف أبوي الحقيقيين، وألا أسأل أو أبحث أبدا في هذا الموضوع.
> ماذا تعني بأنه خطر على حياتك؟
هذا ما قالته بالحرف. تتذكر أني أخبرتك سابقا أنني حاولت عند عودتي إلى المغرب بعد وفاة عبد الفتاح فرج أن أعرف أبوي الحقيقيين، لكني فوجئت بالموظف يخبرني أن ملفي قد تعرض للتلف في أرشيف المركز بعد فيضانات 1982، هذا ما قاله. وتحدثوا لي أيضا عن مدير كان هناك، لكنه توفي قبل أن أصل إليه. وهكذا بقي الأمر غامضا بالنسبة إلي إلى اليوم.
> هذا يذكرنا بقصة تبني أختك خديجة، والتي طعنت فيها بداية هذا الحوار. هل حاولت الحصول من أمك على أجوبة بعد حديثها مع أستاذك السابق؟
للأسف كانت قد توفيت. لم أعلم بهذه المعلومة إلا بعد وفاتها. فقد كنت أجلس مع أستاذي السابق نتحدث في أمور شتى، وقال لي إنه يتذكر أنه ألح في سؤال والدتي عن قصتي، فأجابته بأن معرفة قصتي ستشكل خطرا على حياتي.
> أخبرنا المزيد عما كان يدور بين والدتك وأستاذك السابق. هل كانت تزور أسرته؟
لديها علاقة طيبة به وتسأل عن أسرته، لكني لا أظن أنها كانت تزورهم في بيتهم، هي لم تكن تزور أحدا، ولا تحل ضيفة عند أحد. تلك كانت عادتها.
في إحدى المرات أخبرته أن عبد الفتاح فرج في آخر أيامه أعد لها لائحة بحسابات بنكية، وطلب منها أن تسلمها إلى الذين سيأتون من أجلها بعد وفاته.
> ماذا تقصد؟
أقصد أن عبد الفتاح فرج كان يعلم أنه سيُطالب بإعادة الأموال التي حولها إلى الخارج. فكتب لزوجته غيثة لائحة قصيرة ببعض الحسابات البنكية التي يريد هو أن يعيدها، أي إنه لم يكتب كل شيء بطبيعة الحال، وسلمها إلى زوجته وأخبرها أن تسلمها إلى من سيأتي لطلبها. قال لها إنهم بعد وفاتي سيأتون للجلوس معك، ليس للاطمئنان عليك، أو شرب الشاي معك، وإنما من أجل المال.
وقد سبق لمبعوثين أن جاءا إلى عبد الفتاح في آخر أيامه.. وكان يعلم أنهم سيعودون. المهم أن والدتي أخبرت أستاذي السابق أن عبد الفتاح لم يصرح بحساباته المهمة.
> وهل جاء أحد إلى والدتك بعد وفاة عبد الفتاح فرج ليعيد الأموال التي أخذها معه؟
هي من تستطيع الإجابة عن هذا السؤال. وهي الآن متوفية. لم تخبرني قيد حياتها بقصة لائحة الحسابات البنكية التي أراد عبد الفتاح أن يرجعها، ولم أعلم بها إلا عن طريق أستاذي كما أخبرتك.
> قلت إن والدتك في آخر أيامها أخبرتك ببعض الأمور.. هل أتت على ذكر شيء يتقاطع مع هذا المعطى الجديد؟
(يتذكر).. أتذكر مرة أنها أخبرتني عن عقار في مدينة نيويورك الأمريكية.
> عقار؟
شقة فاخرة في نيويورك، وربما هناك أيضا شقة أخرى. ما أكدته أمي أن هناك شقة فاخرة على الأقل. كانت في اسم عبد الفتاح فرج، وأعادها.
> أريدك أن تكون دقيقا معي في هذا الأمر. كم عدد هذه الشقق في نظرك؟
ما أكدته والدتي أن هناك شقة فاخرة جدا، الأخرى لا أعلم بشأنها شيئا.
> سبق لك زيارة عقار لعبد الفتاح فرج في نيويورك؟
لا. لم أعلم بشأن وجود هذه الشقة إلا في آخر عهدي بأمي غيثة، وحكت لي عن تلك الشقة وأكدت لي أن والدي أعادها إلى المبعوث.
> لنعد إلى مسألة الحسابات البنكية. لماذا يعيد عبد الفتاح فرج بعضها، وهو كان مصرا على عدم العودة إلى المغرب؟
لا أعلم.
> قلت إنه كان يريد أن يفاوض بما لديه في الصندوق الحديدي من أوراق سرية للدولة، واعتبرتها «جوكر». لماذا سيعيد حسابات بنكية وهو يملك سلطة التفاوض؟
هذا ما أخبرت به أمي أستاذي السابق وحكاه لي. عبد الفتاح كان شخصا غامضا وعصيا على الفهم. لا يمكن توقع خطواته وحياته كلها غامضة. عندما أوشكت المهلة التي قدّرها الطبيب في ثلاثة أشهر، على الانتهاء، أخذ ورقة وكتب فيها بعض الحسابات البنكية وأخبر أمي أن تسملها إلى الذين سيأتون بعد وفاته. حسب هذه الرواية التي لم أعلم بشأنها إلا أخيرا، فإن عبد الفتاح أعاد جزءا يسيرا من الأموال إلى الأشخاص الذين جاؤوا إليه بهذا الشأن. كما أن ما قاله لوالدتي يعكس مدى اطلاعه على الأمور، فقد قال لها إنهم سيأتون ليس بغرض شرب الشاي، أو السؤال عن أحوالك، أي إنهم سيأتون من أجل المال والثروة التي راكمها بالخارج.
> هل كان هذا الأمر يعني أنه رغب في التفاوض؟ ما معنى أن يضع لائحة ببعض الحسابات البنكية؟
أمي حكت لأستاذي السابق أن والدي «أعاطهم ما أراد هو أن يكشف»، أي إنه لم يصرح بالحسابات المهمة حتى لا تعود إلى الدولة، أو إلى الذين جاؤوا لوالدتي، بعد وفاته.
أؤكد أن والدتي لم تخبرني أي شيء عن هذا الموضوع قيد حياتها، لكنها لا يمكن أن تكذب على أستاذي السابق. أما بخصوص الشقة الفاخرة في نيويورك، فقد أخبرتني بها شخصيا. لا يمكنني أن أدعي أنها أخبرتني كل شيء.
> لماذا في نظرك؟
لقد اكتشفت، أخيرا، فقط، أنني لا أعلم ما يكفي من المعلومات حول أمور كثيرة، وأن المحيطين بي يعرفون شذرات عنها، وأحيانا من أحاديثهم أحس أنهم يسبقونني في معرفة الأحداث. بالنسبة إلى أستاذي السابق فهو محط ثقة كبيرة جدا، وتجمعني به ذكريات طيبة كثيرة، وبوالدتي أيضا. وأعتقد أن أمر بقائي خارج أحداث كثيرة كان مخططا له. عندما أجلس مع أحدهم أكتشف أنه يعلم أمورا كثيرة فيها أجوبة، أو بعض الإجابات عن أشياء كانت تؤرقني في السابق.