الافتتاحية

عزلة الجواهري

ما قيمة مؤسسات استراتيجية ودستورية لا يؤخذ برأيها من لدن حكومة العثماني؟ هل الحكومة مؤهلة من الناحية الموضوعية لتجاهل توصيات أهم مؤسسة مالية في الدولة؟ وهل تمتلك من الكفاءات المالية والعلمية التي تجعلها ترمي اقتراحات مؤسسة في حجم بنك المغرب في سلة المهملات؟ لماذا تضع الحكومة والبرلمان قوانين تمنح اختصاصات للمؤسسات مثل بنك المغرب لكي لا تلتزم بتوصياتها؟ وما هي كلفة تجاهل وصايا المؤسسات الدستورية؟
سياق هذه الأسئلة فرضته التصريحات المباشرة لعبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، الذي اشتكى علنا من تجاهل الحكومة في مناسبات متعددة لتوصياته وعدم الأخذ بها، من مثيل توصيته بإحداث هيئة عمومية مستقلة ومحايدة لتقييم السياسات العمومية، كما هو موجود في العديد من البلدان. توصية المسؤول الأول عن السياسة النقدية أكدت على الانخراط في نوع من التخطيط الاستراتيجي، من أجل التوفر على رؤية لما يجب أن يكون عليه الاقتصاد على مدى عقدين أو ثلاثة عقود.
والحقيقة أننا لا نفهم ماذا كان سيضير الحكومة لو تبنت توصية إحداث هيئة عمومية مستقلة من أجل تقييم السياسات العمومية، خصوصا وأن المنطق التدبيري السليم يفترض وجود هيئة مستقلة لتقييم القرارات العمومية، ولا يستقيم أن يتم ذلك من قبل الجهة التي وضعتها، وحتى المقتضى الدستوري الذي منح البرلمان وظيفة تقييم السياسات العمومية سرعان ما تم التحايل عليه وتحولت الجلسات السنوية لتقييم السياسات العمومية إلى لحظات عبثية بدون معنى وبدون جدوى، في ظل برلمان شبه أمي نصف أعضائه ليست لهم شهادة جامعية.
صحيح أنه ليس في قانون بنك المغرب أو أي قانون ما يفرض على الحكومة تبني توجيهات أعلى مؤسسة نقدية في البلد، لكن هذا ليس مبررا لتحويل تقارير البنك المركزي التي ترفع سنويا للملك مجرد حبر على ورق. فالوزن الاستراتيجي لبنك المغرب يجعل عدم الإنصات لتوصياته ورفض الاستماع لناقوس خطره يتسببان في كلفة باهظة على المستوى المالي والاقتصادي، والاجتماعي والأمني.
لا أحد يريد سحب اختصاصات الحكومة ونزع الطابع السياسي عن شرعيتها، لكن لا يمكن لحكومة تريد النجاح وتريد الخير للبلد وتتوخى صناعة قرارات ناجعة أن تتجاهل التوجيهات والتقييمات التي يصدرها بنك المغرب بعيدا عن إكراهات السياسي وحساباته الانتخابية. لذلك كان موقف البنكي الأول واضحا ولا يحابي أحدا تجاه التأثير السلبي لاتفاق الحوار الاجتماعي القاضي بالزيادة في أجور الموظفين على عجز الميزانية في القادم من السنوات الذي سيصل إلى 4,1 في المائة سنة 2019.
بعبارة أكثر وضوحا وبساطة، فالحكومة اشترت السلم الاجتماعي بأموال لا تتوفر عليها وستحدث ثقبا في ميزانية السنة المقبلة.
ولو أن الحكومة التي تدعي الإنصات والتشاركية في اتخاذ القرار وسعت استشارتها القبلية مع المؤسسة المالية والنقدية الأولى في البلد قبل تبني قرار الزيادة في الأجور، لتجاوزت كلفته السلبية على مستوى العجز ومعدلات النمو، لكن، للأسف، حكومة العثماني تؤمن بشعار «لا أريكم إلا ما أرى» وهي تتعامل مع المؤسسات الاستراتيجية كخادم لتوجهاتها السياسية والانتخابية، وليس كسلطة تساهم في صناعة السياسات العمومية، وهنا بالضبط يسكن شيطان الفشل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى