شوف تشوف

في البدء كانت التربية

في موضوع الاعتداءات الجنسية على الأطفال والجرائم المروعة المرتكبة في حقهم فنحن جميعًا قضاء ومجتمعًا ورأيًا عامًا لا نفعل غير مناقشة الواقعة وتقاذف الاتهامات، والحال أن ما يجب أن ينكب عليه الجميع هو اقتراح حلول للوقاية من وقوع هذه الجرائم.
فالجريمة مثلها مثل المرض تبقى الوقاية منه خيرا من علاجه. والعلاج في نازلة الحال هذه مضن وطويل الأمد ومكلف ويتطلب انخراط الجميع، وإلا ستستمر هذه الجرائم في الاستفحال ويصير لدينا جيل معطوب نفسيا لديه هدف واحد في الحياة هو الانتقام من المجتمع بسبب ما عاناه نتيجة صمت وتواطؤ هذا المجتمع مع جلاديه.
في موضوع الاعتداءات الجنسية على الأطفال هناك مسؤولية ثلاثية تقع على عاتق القضاء والأسرة والتعليم.
القضاء لأن جزءا منه متساهل في الأحكام التي يصدرها بحق مغتصبي الأطفال، والأسر لأن كثيرا منها لا تراقب أبناءها وتطبق قاعدة “بلز وطلق للزنقة”، والتعليم لأنه يفتقد في برامجه لدروس بيداغوجية تعلم الأطفال منذ التعليم الأساسي كيفية حماية أنفسهم من الغرباء.
والواقع أننا قليلا ما ننتبه إلى أن قطاع التربية والتعليم يبدأ بكلمة «تربية» قبل التعليم. وإذا كان الجميع يتفق على أن أزمة المغرب الراهنة هي أزمة تعليم، فإن الوجه الآخر، والأخطر، لهذه الأزمة هو التربية، أو قلة التربية على الأرجح.
كثيرون من الذين صدمتهم جريمة الطفل عدنان يجهلون أن جرائم أفظع من هذه تحدث يوميا، وكل دقيقة في مزابل المدن وخربها وأدراج عماراتها الوسخة حيث تغتصب الفتيات المشردات والنساء العائدات من المعامل على يد متشردين وجانحين وقطاع طرق، وأحيانا يحدث ذلك جنب فنادق خمس نجوم حيث يعيش شعب من أطفال وفتيات الشوارع يتوالدون ويتكاثرون هناك مثل القطط الضالة.
الذين يبدون صدمتهم من هذه الجريمة يصنعون كما لو أنهم يجهلون أن وضعية الطفولة في المغرب بشكل عام ليست بخير، وأن مائة طفل يولدون يوميا خارج إطار الزواج، وأن المغرب هو الأول في عمليات الإجهاض السري حيث يقوم أطباء يعرف الجميع عياداتهم بـ1400 عملية إجهاض سري يوميا بالمغرب.
وبسبب انتشار الدعارة واغتصاب المختلات ذهنيا والخادمات والمتسولات المشردات والهاربات من البيوت وصل عدد أطفال الشوارع إلى 240 ألف طفل، فيما وصل عدد الأطفال المتخلى عنهم إلى 400 ألف طفل.
هذا طبعًا دون أن نتحدث عن آلاف القاصرين الجانحين الذين وصلوا إلى أوروبا وحارت معهم عواصمها بسبب كل السرقات والاعتداءات التي يتسببون فيها لمواطنيها وسياحها.
هؤلاء الأطفال الذين يولدون يوميا نتيجة الدعارة والاغتصاب هم جانحو الغد، وهم هؤلاء المراهقون الذين يحملون يوميا سيوفا أطول من قاماتهم ويعترضون سبيل المغاربة ويهاجمون المصطافين في الشواطئ ويغتصبون البنات في الأزقة والحافلات.
الذين يخططون للسياسة الجنائية بالمغرب يجهلون أن هناك اليوم ما تمكن تسميته “ثقافة الإجرام” الناتجة أساسا عن الإدمان.
وهذه الثقافة تعرف إقبالا منقطع النظير من طرف مراهقي اليوم الذين يتحولون بسرعة رهيبة إلى جانحين يقومون بسلوكيات عدوانية تتحول بسرعة إلى سلوكيات إجرامية تهدد أمن المواطنين وسلامتهم الذاتية في الأماكن العامة لسبب واحد ووحيد هو سلبهم المال لتوفير جرعتهم من المخدرات.
لذلك فالحل لا يكمن فقط في القيام بحملات أمنية تنتهي باعتقال بعض الجانحين والمبحوث عنهم والذين ما يلبثون أن يعودوا إلى الشوارع لممارسة “هوايتهم”، بل الحل هو تجفيف المستنقع والقضاء على أصل الداء في عقر داره، أي في الشوارع حيث يتم ترويج المخدرات وفي الإصلاحيات داخل السجون حيث يتدربون داخلها على الإجرام بانتظار العودة إلى الشارع.
إن كل شاب فشلنا كأسرة وكحكومة وكدولة في تعليمه أو تكوينه، يعني أننا سنكون مضطرين لتوظيف شرطة لمطاردته وسجانين لحراسته، ولنا أن نتصور التكلفة. فحسب آخر إحصاء قام به المجلس الأعلى للتعليم، في تقييمه لفترة عشرية الإصلاح فإن تكلفة التلميذ المغربي لا تتعدى 12 ألف درهم في السنة، إذن لنا أن نتصور تكلفة هذا التلميذ عندما ينقطع عن الدراسة ويصبح عالة على مجتمعه، بل عندما يصبح مصدر خطر محدق به، إذ سنضطر لرفع ميزانية الأجهزة الأمنية لمراقبة سلوكه، الواقعي والافتراضي، كما أن الحياة الاعتيادية للناس ستتأثر بسبب تجنبهم المرور أو الجلوس في أماكن عامة خوفا من السرقة أو الاغتصاب، مما يعني أن الخسارة هنا تصبح مضاعفة عشرات المرات.
علينا أن نعرف أن العائلة المغربية تعرضت لتغييرات خطيرة ومتسارعة على مستوى سلم القيم، بحيث أضحت سلوكيات كانت بالأمس القريب عارا سلوكيات مقبولة وعادية.
هناك اليوم انحراف خطير يتهدد الأسرة المغربية، التي هي النواة الصلبة للمجتمع، والإعلام العمومي يتحمل مسؤولية كبرى في هذا الصدد لأنه يقوم يوميا بتكرار ترويج نماذج أسرية واجتماعية غريبة عن قيم وعادات المجتمع المغربي.
وهنا يظهر الدور الأساسي للأب في التربية، وهناك باحثون يشيرون إلى أن سبب ظاهرة انتشار العنف والفشل الدراسي والعقد النفسية بين الأطفال هو غياب الأب.
علينا أن نكون صريحين ونسأل أنفسنا بوضوح، كم أبا بيننا يذهب إلى المؤسسة التعليمية التي يدرس بها ابنه أو ابنته كل شهر لكي يسأل الإدارة عن سلوكهما ومستواهما الدراسي ومشاكلهما مع الأساتذة ؟
أستطيع أن أقول بأن هناك آباء لا يعرفون حتى المستوى الدراسي الذي يدرس به أبناؤهم، ولذلك فمن السهل أن نتهم الدولة بمسؤوليتها في فشل أبنائنا التعليمي، لكن هل يستطيع الآلاف من الآباء أن يعترفوا بأنهم لا يعرفون أين تقضي بناتهم وأبناؤهم ساعات الفراغ بين حصة وأخرى.
طبعا الدولة مسؤولة عن تقصيرها في محاربة تفشي هذه الأمراض والآباء أيضا مسؤولون، ويجب أن يبذلوا مجهودا كبيرا لمراقبة أبنائهم وبناتهم.
الشارع ليس مكانا آمنا حتى نرسل إليه أبناءنا ونجلس مطمئنين في البيت بانتظار عودتهم، الشارع غابة متوحشة مليئة بالذئاب الآدمية، وأطفالنا بمثابة طرائد سهلة بالنسبة لهؤلاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى