شوف تشوف

الرأي

مليون محفظة إلكترونية في شتنبر المقبل

المصطفى مورادي
تضع وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، ضمن خططها للدخول الدراسي المقبل، اعتماد مبدأ التناوب بين التعليمين الحضوري و«عن بعد»، ومنه اعتماد «التفويج» في استعمالات الزمن، لتفادي احتشاد التلاميذ في المؤسسات، بحيث سيتم خلق المزيد من المنصات الرقمية التواصلية التي ستحتضن دروسا تبث في أقسام افتراضية. وهذا الاختيار ليس رفاهية كما كان في السابق، ذلك أن استمرار ارتفاع وتيرة الإصابات بفيروس كورونا، واحتمال إغلاق بعض المناطق عند كل مستجد، يضعان الوزارة ومن خلالها الحكومة أمام هذا الاختيار الصعب، ليس فقط على المستوى التقني، ولكن أيضا على المستوى الحقوقي، لكون اقتصار الامتحانات الموحدة على الدروس الحضورية، هو اعتراف صريح بأن الاستفادة من خدمة التعليم الافتراضي ليست متاحة للجميع، خصوصا وسط الفئات التي تصنفها الدولة رسميا على أنها «هشة».
لقد خيب الفيروس «الماكر» ظن كثيرين على مستوى العالم، ممن كانوا يعولون على حرارة الصيف للقضاء عليه، وها هي تقارير طبية صادرة عن جهات سيادية في دول كثيرة، تحذر من موجة ثانية مع بداية الخريف، أي بالتزامن مع بداية الموسم الدراسي المقبل. وهذا يعني أننا مطالبون بأن نعتبر مسألة التناوب هذه هي الأصل، وأن لا ننتظر شتنبر المقبل لنتصرف. فالمطلوب أن تقرر الحكومة منذ الآن، في هذا الموضوع، لمنح الوقت للأسر لترتيب وضعها سواء ماليا، باقتناء الأجهزة الإلكترونية المناسبة للتعليم عن بعد، أو أيضا لترتيب وضعها الاجتماعي، لكون التعليم الرقمي يعني بقاء الأطفال في المنازل، وهذا لوحده يعتبر عبئا نفسيا واجتماعيا مكلفا لآلاف الأسر المكونة من أمهات وآباء نشطين في وحدات الإنتاج أو موظفين.
فاعتماد التعليم والتكوين الرقميين ليس مسألة تكميلية كما كان عليه الوضع سابقا، بل أضحى ضرورة وجودية إن صح التعبير، لأنه يضمن السلامة من جهة، ويضمن الاستمرارية البيداغوجية من جهة أخرى. فإذا كان التعليم الحضوري يعني التواصل التربوي المباشر بين المتعلمين ومدرسيهم، فإنه بالنسبة إلى الأسر يعني «الحضانة» أيضا. والمطلوب من الحكومة أن تقنع أرباب العمل في القطاع الخاص ومسؤولي الإدارات في القطاع العام، بضرورة مراعاة ظروف التعليم عن بعد لأبناء المستخدمين والموظفين. فليس كل هؤلاء قادرين على توظيف خادمات وجليسات أطفال، يراقبونهم في ساعات التعلم الرقمي المنزلي.
بالموازاة مع هذا، لا ينبغي الاعتزاز كثيرا بتجربة بث الدروس عبر القنوات التلفزية، لأن هذه التجربة محدودة من الناحية التربوية والتعليمية، وإذا كانت ظروف الإغلاق السابقة قد فرضتها، فإنه لا يمكن التعويل عليها لتعويض التعليم الحضوري، في شتنبر المقبل. ثم إن الحكومة والمجالس المنتخبة بكل مستوياتها مطالبة بتمكين كل أطفال الهشاشة من الوسائل التكنولوجية، للاستفادة من التعليم عن بعد، فالمسألة ليست رفاهية كما قلنا، بل حقوقية في جوهرها. وإدماج اللوائح الإلكترونية ضمن برنامج مليون محفظة لم يعد ترفا.
ولأن التعليم عن بعد أضحى قدر كل الأقدار، فإن اعتماد خطة تصوير الدروس نفسها أضحى ضربا من العبث. صحيح أن ما أنجز كبير ولا ينكره إلا جاحد، لكن لا أحد أيضا قد ينكر بأنها دروس محكومة بالتسرع، بدليل أن المئات من الدروس التي تطوع مفتشون أو موجهون أو مدرسون لتصويرها بإمكاناتهم الخاصة، لم يتم بثها في المنصات الرقمية للوزارة لأسباب تقنية (رداءة التصوير، فضاءات التصوير غير مناسبة، لباس المدرسين..)، والحاجة الآن تفرض إنشاء ما يشبه استوديوهات على مستوى كل مقاطعة تعليمية، شبيهة بمختبرات اللغات الأجنبية التي كانت في تسعينات القرن الماضي، وتجهيزها بالوسائل اللوجستيكية المناسبة لتصوير دروس متفق على جودتها تربويا وتقنيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى